أكبر ورشة إعمار في الشرق الأوسط: استثمارات لبنانيّة إلى دمشق وعقدة مصرفيّة

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تعود ورشة إعادة الإعمار في سوريا إلى واجهة المشهد الاقتصادي الإقليمي، مع تزايد المؤشّرات على انفتاح عربي ودولي، نحو الاستثمار في الاقتصاد السوري، بعد رفع جزء من العقوبات، وتحقيق نوع من الاستقرار الأمني النسبي. في هذا السياق، يبرز السؤال حول دور لبنان في الاستفادة من هذه الفرصة الاقتصاديّة الضخمة، خصوصًا أنّ القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية بين البلدين، يجعلان من لبنان شريكًا طبيعيًّا في المرحلة المقبلة، ومنصّة لإعادة الإعمار في سوريا.

Advertisement

سباق للاستثمار في الجغرافيا السوريّة
تبدو سوريا اليوم قبلةً محتملة للمستثمرين، ودولةً جاذبة للاستثمارات، بعدما باتت بحاجة إلى ضخّ مئات المليارات في عملية إعادة الإعمار،بعد سنوات من الحرب والعزلة. يشير المناخ الاستثماري الراهن إلى بدء تبلور استثمارات حقيقيّة، وهو ما أكّده الرئيس السوري أحمد الشرع بإعلانه عن جذب نحو 28 مليار دولار استثمارات أجنبيّة، منذ الإطاحة ببشار الأسد في 8 كانون الأول الماضي.
في ضوء التحوّلات الاقتصاديّة والتشريعيّة التي تشهدها دمشق، يسجّل الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الدكتور أنيس أبو دياب عددًا من الإشارات الإيجابيّة، أبرزها إعلان المملكة العربية السعودية عن نوايا استثمارية بـ 6 مليارات دولار، بالتوازي بدأت الإمارات فعليًّا بضخّ استثمارات لتطوير مرفأ طرطوس، بقيمة 800 مليون دولار، فضلًا عن استثمارات قطريّة، لافتًا إلى أنّ رفع جزء من العقوبات عن سوريا، خاصة قانون قيصر، فتح الباب أمام ديناميّة اقتصاديّة جديدة.
الاستثمار اللبناني في سوريا: حماسة وطاقات بشرية
تمثل سوريا تاريخيًّا سوقًا طبيعيّة وبوابة للبضائع والخدمات اللبنانيّة، واليوم مع بدء رفع العقوبات برز اهتمام عدد من رجال الأعمال اللبنانيين في الفرص الاستثماريّة هناك، الأمر الذي أكّده أبو دياب " قطاع البناء والأشغال في لبنان بدأ بالفعل يهيّئ نفسه لدخول السوق السورية، وهناك خطط باتت جاهزة لدى كبار المستثمرين في القطاع العقاري للاستثمار في البنى التحتية والأشغال في سوريا، وقد لمسنا في مؤتمر "بيروت 1" دينامية عالية لدى القطاع الخاص،وهناك زيارات قد حصلت إلى دمشق لهذه الغاية، مع الأخذ بالاعتبار أنّ مشروع إعادة الإعمار ما زال طويل الأمد".
أضاف أبو دياب أنّ المستثمر اللبناني يبحث عن أبواب الاستثمار أينما وجدت، وعندما ضربت الأزمة الماليّة والاقتصاديّة البلد، اتجه جزء كبير من المستثمرين في القطاع الخاص إلى وجهات عديدة أبرزها قبرص، اليونان، تركيا، ومصر. خصوصًا أنّ هناك سيولة، بحيث قدّر البنك الدولي حجم الأموال النقديّة التي خرجت من إطار الدورة المصرفيّة اللبنانية بنحو 10 مليارات دولار سنويًّا، ما يعني أنّ هذه الأموال تبحث عن فرص توظيف، ما يجعل سوريا قبلة استثماريّة محتملة بالنسبة للبنانيين. يضاف إلى ذلك أنّ لبنان يمتلك خبرة غنيّة في مشاريع إعادة الإعمار، اكستبها من ورشات النهوض والإعمار بعد الحروب المتعاقبة، ما يجعله لاعبًا طبيعيًا في هذه المرحلة. كما يمتلك المستثمرون اللبنانيون قابليّة عالية للتأقلم، وخبرة بشرية في مجالات متعددة تُعدّ من الأكثر كفاءة في المنطقة.
أكثر من 500 شركة لبنانية جديدة سجلت رسميًّا في سوريا خلال أشهر قليلة، لإبداء رغبتها في الاستثمار، وفق ما كشف رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير. أمّا مجالات الاستثمار فمتعددة، وفق أبو دياب وتشمل، إضافة إلى قطاع البناء والمساكن وخدمات الأشغال العامة، قطاعات الاتصالات والتكنولوجيا والخدمات والضيافة.
ميزة لبنان الجغرافيّة عنصر حاسم في السباق الاستثماري
المسألة الأكثر أهميّة تكمن في توظيف الموقع الجغرافي للاستفادة من الفرصة السورية يلفت أبو دياب " قُرب بيروت وطرابلس من دمشق  يمنحهما أفضليّة لوجستيّة استراتيجيّة، إذ تُعد بيروت أقرب إلى العاصمة السورية من اللاذقية نفسها. وهي النقطة التي استدركها وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، وتحدث عنها خلال مؤتمر بيروت 1 لجهة الاسراع في استكمال الهيئات الناظمة ومجالس إدارة المرافىء، وكذلك إعادة تأهيل مطار القليعات ليكون منصّة لوجستية داعمة لإعادة الإعمار في سوريا، حيث كشف رسامني عن إبداء 16 شركة أجنبيّة رغبتها في الاستثمار في المطار، ما يرفع من احتمال نشوء حركة اقتصاديّة واسعة على الحدود اللبنانية".
إشكاليّة مصرفيّة
رغم الانفتاح الذي ابدته سوريا تجاه الاستثمار اللبناني في قطاعاتها، من خلال دعوة وزير المال السوري محمد يسر برنية لبنان إلى الانخراط في مرحلة إعادة الإعمار، والإستفادة من الطاقات اللبنانية، إلّا أن ذلك لا يلغي الإشكالية المتعلّقة بالقطاع المصرفي اللبناني "هناك مصارف لبنانيّة في بسوريا فصلت موازاناتها عن لبنان عام 2013، لكن تبقى مشكلة الودائع السورية المحتجزة في المصارف اللبنانية من أبرز العقد، إذ يرتبط حلّها بشكل وثيق بمعضلة الودائع في لبنان ككل".

معوقات أمنيّة وتشريعيّة تعرقل الاستثمار
هناك خطوات سريعة في سوريا جاذبة للاستثمار، أبرزها إلغاء قانون قيصر ورفع العقوبات تدريجيًّا، وتأمين الكهرباء في دمشق 24/24، لكن ما تزال عملية الإعمار تصطدم بواقع تشريعي غير ملائم، ولا بدّ من توافر بيئة تشريعيّة تتمخض عنها قوانين تنظّم العمل الاقتصادي المرن والفعّال والمتطور، بما يسمح بتدفق رؤوس " فالتحوّل من الاقتصاد الموجَّه إلى اقتصاد أكثر ليبرالية يفرض تحديثًا شاملاً للقوانين الماليّة والاقتصاديّة، وهو ما تعمل عليه دمشق عبر تطوير عمل المصرف المركزي، وتحديث أنظمة التحويلات وتمويل المشاريع، وفق المعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال، بهدف ضبط السوق والحدّ من التعاملات النقديّة خارج النظام المصرفي" وفق أبو دياب.

تحديات أمنيّة وسياسية
إلى جانب العوائق القانونيّة، تقف أمام الإعمار مخاطر أمنيّة وسياسيّة لا يمكن تجاهلها. فالوضع الأمني السوري ما زال هشًا في عدّة مناطق، بفعل التهديدات الإسرائيلية والتوترات في الجنوب السوري وفي مناطق سيطرة قوات قسد، فضلًا عن إشكالات قائمة في الساحل واللاذقية. أبو دياب يلفت إلى أنّ الاستثمار بطبيعته محفوف بالمخاطر، وأن ارتفاعها قد يعني أرباحًا أكبر للمغامرين. ويرى أنّ التطورات الإقليميّة، ومنها انفتاح قنوات التفاوض بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لواشنطن، قد تمهّد لاستقرار نسبي، وتفتح الباب تدريجيًا أمام مرحلة مختلفة.
بالمحصلة، رغم التعقيدات، توحي المؤشرات الإقليميّة والدوليّة أنّ المرحلة المقبلة قد تكون نافذة تاريخيّة للبنان كي يستعيد دوره الاقتصادي، ويستثمر في واحدة من أكبر ورش الإعمار في الشرق الأوسط، خلال العقد المقبل.

أخبار ذات صلة

0 تعليق