Advertisement
في هذا اليوم التاريخي يطأ البابا لاوون الرابع عشر أرض لبنان، الذي ورد اسمه سبعين مرة في الكتاب المقدس، هذا البلد المركّب بطوائفه، والمعلق على الجلجلة منذ أكثر من خمسين عامًا، والمنقسم على ذاته، والمهدّد بأمنه وسيادته وحريته واقتصاده وأمنه الاجتماعي. يأتي حاملًا معه الارشاد الرسولي، الذي لم يُطّبق منه شيء، و"وثيقة الأخوة الانسانية" المعني بها اللبنانيون أكثر من أي شعب آخر. ويحمل معه بالأخص آلاف الوثائق الواصلة إلى مجمع الكنائس الشرقية عن وضع المسيحيين، الذي لا يجمع بينهم رأي واحد.
فلو كنت مكان قداسته لكنت آتي إلى مسيحيي لبنان بما لم يأته من قبله أحد، ولكنت وجهت إليهم الكلمة التالية: "أتيتكم اليوم لا لأهنّئكم، بل لأوقظكم. جئتُ إلى وطنٍ يفتخر بأنّه أرض الرسالة، لكنّي وجدت أبناء الرسالة يتمزّقون في صمتٍ مخجل، ويتنافسون على فتات النفوذ كأنّهم غرباء عن المسيح الذي جمع ولم يفرّق.
لقد قلتُ قبل أن آتي اليكم إن الوحدة بلا تعدّد استبداد، والتعدّد بلا وحدة تفكّك لكنّي أضيف اليوم: أنتم، بتناحركم وخلافاتكم ومصالحكم الضيقة، لا تعطون لبنان وحدةً ولا تعدّدًا، بل تعطونه نزاعاً مزمناً يقتله ببطء.
يا أحبّائي، أقولها بوضوح لا يحتمل الالتباس: إنّ انقسامكم عار. نعم، عار. لأنّه يحوّل رسالة المسيح إلى شعار فارغ، ويحرم لبنان من دوره، ويُسقط عنكم احترام العالم.
كيف يمكن لكم أن تتكلّموا عن الحرية وأنتم أسرى شعاراتكم؟ كيف تدافعون عن لبنان وأنتم لا تدافعون عن بعضكم البعض؟ كيف تتحدّثون عن القيم وأنتم تستسلمون لغرائز الكراهية والانتقام؟
لقد سُئلت: ما عساه يقول البابا للمسيحيين المنقسمين؟ وأجيب: أقول لهم كفى. كفى استهتاراً، كفى أنانيات، كفى تنكرًا لرسالتكم وذاكرتكم وتاريخكم.
وإلى القادة السياسيين والروحيين المسيحيين أقول: لقد أرهقتم شعبكم. أدخلتموه في صراعاتكم الصغيرة، ورهنتم مصالحه عند أبواب مصالحكم الشخصية،
وتصرّفتم كأنّ الطائفة ملكٌ لكم لا أنتم خُدّام لها.
أقولها لكم باسم الإنجيل: إن الزعيم الذي يشعل الانقسام يسيء إلى المسيح نفسه.
والقائد الذي يحمي نفوذه على حساب أبناء طائفته، هو قائدٌ بلا ضمير، وبلا رؤية، وبلا أمانة. لبنان ليس لعبة بين أيديكم. ومستقبل المسيحيين ليس ورقة تفاوضية في يد أحد. والسلطة التي تُبنى على كرامات الناس ومخاوفهم سلطة ساقطة أخلاقياً قبل أن تسقط سياسياً.
لا أطلب منكم مؤتمراً جديداً ولا صورة مصافحة أمام الكاميرات. أطلب شيئاً أصعب بكثير: أن تواجهوا أنفسكم. أن يسأل كلّ واحد منكم: ماذا قدّمت للبنان؟ وهل اقتربتُ من أخي في المسيح أم طردته من قلبي؟
دعوتي لكم ليست دعوة ديبلوماسية؛ هي دعوة توبة حقيقية، لأنّ ما ينتظركم ليس رفاهية، بل خطر وجودي: خطر أن تفقدوا دوركم، احترامكم، وحدتكم، وحتى حضوركم في هذا الشرق.
إن لبنان الذي أحبّ، والذي يتطلّع إليه العالم، ليس لبنان الخوف والشتائم والانقسام، بل لبنان الحرية والكرامة والتعدّد. وأنتم تهدّدون هذا النموذج يومياً بخلافاتكم التي لا تشبه إلا ضعفكم.
أقولها بصدق الأب وصرامته: إذا سقط المسيحيون في لبنان، فلن يسقطوا بسبب الآخرين، بل بسبب قصر نظرهم، وتناحرهم، وانشغالهم عن الرسالة بالصغائر.
يا ابنائي الأحباء، لبنان لا يحتاج منكم إلى خطابات، بل إلى شجاع، وإلى أن تقولوا لأنفسكم: نحن أخوة قبل أن نكون أخصامًا، إلى أن تتصالحوا لا لأنّ العالم يراقبكم، بل لأنّ المسيح يناديكم.
أمنحكم بركتي، لكنّي أقول قبل البركة:لا تطلبوا من الله أن يحمي لبنان
فيما أنتم غير مستعدّين لحماية بعضكم البعض.
من لديه قديسون كشربل ورفقا والحرديني والأخ اسطفان وكثيرين غيرهم من أجدادكم وأبائكم لا يتصرّف كما تتصرفون أنتم في ما بينكم. لبنان من دون مسيحيين ملتزمين بتعاليم الانجيل ليس لبنان، الذي أراده ما سبقوكم عندما انشأوه كبيرًا فلا تجعلوه بتصرفاتكم الصغيرة صغيرًا.











0 تعليق