في تطور علمي جديد يسلّط الضوء على العلاقة المعقدة بين التكنولوجيا والصحة النفسية، كشفت دراسة حديثة عن ارتباط مثير للقلق بين توقيت استخدام الهاتف الذكي ليلاً ومدى تأثر الأشخاص ذوي الأفكار الانتحارية بخياراتهم الرقمية قبل النوم.
وتأتي هذه النتائج في وقت تتزايد فيه التحذيرات من تأثير الإضاءة الاصطناعية والمحتوى العاطفي المكثّف على العقل خلال ساعات الليل.
الأرق الرقمي وتفاقم الهشاشة النفسية
تشير الأبحاث إلى أن فترات الليل، حين ينخفض الإيقاع اليومي ويزداد التفكير الداخلي، تمثل بيئة خصبة لعودة أو تصاعد الأفكار الانتحارية لدى البعض.
وتؤكد دراسات سابقة أن أي خلل في جودة النوم — سواء قِلَّته أو تقطّعه — يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستويات الضيق النفسي في اليوم التالي، ما يرفع بدوره احتمالات تكرار الأفكار السلبية.
كيف يفاقم الهاتف المشكلة؟
توضح الدراسة أن الاستخدام الليلي للهاتف يعطّل الساعة البيولوجية للجسم عبر الضوء الأزرق الذي يرسل إشارات تنبيه للدماغ، إضافة إلى المحتوى المشحون عاطفياً الذي قد يعزز القلق.
كما أن التنبيهات المتكررة يمكن أن تزعزع الهدوء الليلي وتزيد الضغط العصبي بشكل غير مباشر.
متابعة دقيقة لآلاف اللقطات
شملت الدراسة 79 مشاركاً عانوا مؤخراً من أفكار انتحارية، وجرت متابعتهم لمدة 28 يوماً.
وخلال هذه الفترة، تم تسجيل أكثر من 7.5 مليون لقطة شاشة على هواتفهم، عبر برنامج يلتقط صورة كل خمس ثوانٍ أثناء نشاط الهاتف، بالتزامن مع تقييمات لحظية للحالة النفسية عبر ما يعرف بالتقييم البيئي اللحظي (EMA).
أنماط ليلية تكشف الخطر
باستخدام نماذج تعلم عميق، فرّق الباحثون بين “الاستخدام النشط” المرتبط بالكتابة والتفاعل، و“الاستخدام السلبي” الذي يشمل التصفح دون مشاركة.
وتبين أن الاستخدام بين الساعة 11 مساءً و1 صباحاً ارتبط بارتفاع واضح في التخطيط للانتحار في اليوم التالي.
في المقابل، أظهر النشاط المرتبط بالكتابة أو المحادثة بين 1 و5 فجراً تأثيراً مخفِّفاً للخطر، ربما بسبب الشعور بالتواصل أو التعبير.
حذر في تفسير النتائج
وعلى الرغم من النتائج المثيرة، يحذر الخبراء من تعميمها بسبب محدودية العينة ومكان تنفيذ البحث.
كما أن بعض المشاركين قد يخطئون في تقدير وقت استخدامهم للهاتف، وهو ما قد ينعكس على دقة النتائج.
رؤى قد تغيّر مستقبل الوقاية النفسية
تؤكد الدراسة، المنشورة في مجلة JAMA Network Open، أن فهم أنماط استخدام الهواتف الذكية ليلاً قد يفتح الباب أمام تطوير تدخلات وقائية تعتمد على مراقبة السلوك الرقمي وتقديم دعم لحظي للأشخاص المعرضين للخطر.
















0 تعليق