استضافت مؤسسة الدستور بمقرها بالدقي فعاليات صالون سلوى بكر الثقافي، والتي جاءت تحت عنوان "الأدب الروسي الراهن"، والتي حاضر فيها الدكتور والمترجم والروائي أشرف الصباغ.
صالون سلوى بكر الثقافي
وقال أشرف الصباغ عن الأدب الروسي الراهن: “لدي مجموعة قصص ترجمتها تتضمن عشر قصص قصيرة لعدد من الكتاب والكاتبات الروس من أجيال مختلفة، أكبر الكتاب سنا في هذه المجموعة، هم فيكتور يروفييف وفيتشيسلاف بتسوخ ويفجيني بوبوف، من مواليد الأربعينات، ولكنهم ظهروا ضمن جيل الثمانينيات في روسيا، مع فيكتور بليفين (1962) وكذلك مع تاتيانا تولوستايا (1951)”.
وأضاف: “وإذا تحدثنا صراحة، وبشكل مباشر، فسندرك أن جيل الثمانينات في روسيا واجه مصائر إبداعية مختلفة كانت في غالبيتها مأساوية من حيث الظروف المعيشية والإبداعية، بل وفي المصير والمستقبل أيضا. وربما تكون مارينا فيشنيفيتسكايا (من مواليد 2 أكتوبر عام 1955 بمدينة خاركوف- أوكرانيا) الشاعرة والروائية وكاتبة السيناريو التي سطع نجمها في فترة التسعينات، ربما تكون هي الوحيدة التي يمكن أن نضعها، مجازا، ضمن جيل التسعينيات في روسيا، وذلك على الرغم من أنها بدأت نشر قصصها الكوميدية الساخرة في منتصف سبعينيات القرن العشرين في صحف متفرقة”.
وتابع أشرف الصباغ: "هناك كتاب كثيرون غير الموجودة أعمالهم في هذه المجموعة أبدعوا قبل حقبة الثمانينات وقبل انهيار الاتحاد السوفيتي. كانت إبداعاتهم تمثل "الأدب الآخر"، أو "الكتابة الأخرى"، من حيث الاهتمامات والزمان والمكان والتوجهات والأشكال. وبالتالي يمكن أن نتوقع أنهم كانوا "أعداء الشعب!"، ويستحقون التجاهل والنفي. وجاءت مرحلة الثمانينات حاملة معها كل رياح التغيير "الجورباتشوفي".
الدكتور أشرف الصباغ
وواصل: "أما عن كتب فيكتور يروفييف، فقد ظهرت تباعا: "زهور الشر الروسية" و"الجميلة الروسية" وغيرها. وتعرض يروفييف لشتى أنواع ودرجات الانتقادات، واتهم بالفجور وكراهية روسيا واحتقاره الإنسان الروسي، ويبدو أنه توقف عن الكتابة، إذ امتصته الصحافة الثقافية تماما، حيث تم اجتذابه، أو على نحو أدق تم "تدجينه" بإسناد برنامج تلفزيوني ثقافي إليه وانتهى الأمر".
واستطرد: "هذه المجموعة من الكتاب جاءت حاملة سيف الأدب، فكتبت أعمالا جادة وهامة، وفرضت رؤية مغايرة للواقع الذي كان الجميع متفق ضمنيا على تصويره بالخادع والمخادع. وقد صال وجال فيكتور بليفين وتعرض للتجاهل والنقد والسب والمقاطعه. وسخر بوبوف وبتسوخ من منظومة القيم الوهمية والانتهازية والبيروقراطية. وصنعت هذه المجموعة من الكتاب نماذج جديدة للأدب الروسي الجديد. ولكن، للأسف، لم تكن هذه الشريحة الإبداعية هي المطلوبة للنظام السياسي الجديد في روسيا ما بعد السوفيتية، وللروس الجدد الذين رفع بعضهم راية "الصليب" في البيوت الصيفية والشقق الفاخرة وأحدث أنواع السيارات المرسيدس، والبعض الآخر رفع "رشاشات كلاشنيكوف" في وجه الأطفال والعجائز في الشوارع، والبعض الثالث رفع "نجمة داوود" في الصحافة والإعلام والأدب والفن ومسرح البولشوي وجميع مفاصل الثقافة الروسية".
وأضاف: “الفساد الداخلي في روسيا، عنصرا جديدا رابعا تلقفه الغرب على الفور، وبدأت حرب الشيشان الأولى ثم الثانية، وتجار السلاح والقتل والفساد يصولون ويجولون ويرسمون مستقبل الناس والبلاد كما يرون ووفق احتياجاتهم ومتطلباتهم هم”.
الأدب الروسي الراهن
وتابع أشرف الصباغ: "جيل الثمانينات" في روسيا لم يكن مطلوبا بالفعل لروسيا الجديدة، لا في عهد يلتسين ولا في عهد بوتين الذي لا يزال يمتد منذ أول الألفية الثالثة، إلا في نطاقات محدودة في وسائل الإعلام أو الصحافة الثقافية، ولكن بعيدا عن الإبداع وممارسة دوره الاجتماعي والسياسي، فهاجر من هاجر إلى الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والدول الاسكندنافية. وأقلع من أقلع عن الكتابة ووجد لنفسه مصدرا للرزق في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة. ومنهم من جلس في بيته ينتظر مصيره المحتوم. ومنهم من لا يزال يواصل الطريق الصعب رغم ضيق ذات اليد والمقاطعة الإعلامية والتجاهل".
واستكمل: "كل ذلك أثر بشكل أو بآخر على إبداعات هذا الجيل من حيث الكم. ولكن أعمالهم شكلت تيارا جديدا على هامش الواقعية الروسية، وقد يكون جيل الثمانينيات في روسيا هو آخر جيل أبدع أدبا بالمعايير الكلاسيكية المتفق عليها، والتي ترتبط ارتباطا متنوعا بالأدب الروسي الكلاسيكي وتجلياته الحذرة والمرتجفة في الحقبة السوفيتية، التي فرضت "الجدانوفية" أو بتعبير أدق "الواقعية الاشتراكية". بعد ذلك ظهر أدب التسعينيات الفقير والضحل في روسيا، ليعقبه أدب الواقع الافتراضي التائه في بين الصحافة والتصورات الوهمية عن الذات والإحساس بالضياع والتفاهة والأوهام والهواجس عبر أدوات ضحلة وفقيرة لا تتوافق إطلاقا مع كل ذلك الثراء الذي جاءت به هذه المرحلة الخطيرة في حياة البشرية".
واختتم: “اليوم توجد أسماء لكتاب معاصرين متنوعين من حيث الأهمية مثل رومان سانتشين وأليكسي فارلاموف وسيرجي شارجونوف وأليكسي إيفانوف ولودميلا أوليتسكايا وفلاديمير ماكانين وفيكتور بيليفين وألكسندر بروخانوف وبوريس أكونين وسيرجي لوكيانينكو وميخائيل فيلر وزاخار بريليبين وميخائيل شيشكين. هؤلاء الكتاب يحظون بشعبية لا بأس بها”.

















0 تعليق