بعد أربعة أيام فقط من إقامة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مأدبة عشاء رسمية على شرف ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، في إطار الزيارة التي يجريها لواشنطن لتعزيز العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة، برز اسم الملياردير إيلون ماسك - الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" ومالك منصة "إكس" - باعتباره أحد أبرز المدعوين. وبعد أيام قليلة، أعلنت المنصة عن إطلاق ميزة جديدة تكشف حسابات المؤثرين السياسيين حول العالم، وتُظهر الدول التي تُدار منها أكبر شبكات اللجان الإلكترونية في الوطن العربي وخارجه، بما في ذلك الحسابات التي تُمارس السخرية والتقليل وإهانة الشعوب العربية تحت أسماء وهمية.
وعندما رفعت "إكس" الغطاء عن الدول التي تبث منها هذه الحسابات - التي يتابع بعضها مئات الآلاف - اتضح أن عددًا كبيرًا منها يُدار من دول في غرب آسيا، من بينها: تركيا، والإمارات، وإسرائيل، وسوريا، إضافة إلى دول أخرى في المنطقة.
كما كشفت المنصة عن بقية الدول بشكل واضح. ويبدو - في تقديري - أن هذا الإجراء جاء بعد تصريحات ولي العهد بشأن رفع التزامات المملكة الاستثمارية في الولايات المتحدة من 600 مليار دولار إلى تريليون دولار، يُخصَّص جزء كبير منها لقطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بما في ذلك أشباه الموصلات.
ومن المعروف أن منصة "إكس" - تويتر سابقًا - تُعد الأكثر استخدامًا في منطقة الخليج، والأكثر اعتمادًا عليها كمصدر للمعلومات.
وفي الوقت ذاته، تُعد الشائعات المتداولة عبرها من أكثر ما يستهدف المملكة العربية السعودية، إلى جانب منصة "تيك توك". وقد ظهر ذلك بوضوح في ما ترصده الصفحة الرسمية لهيئة مكافحة الشائعات السعودية من متابعات يومية للشائعات التي تستهدف المملكة وقيادتها.
وخلال متابعتي للصفحة على مدار الشهرين الماضيين - أثناء تحليل عينة من منشوراتها ضمن بحث علمي - رصدت الهيئة أنّ من بين الدول التي تُدار منها حملات الشائعات ضد المملكة: مصر وتركيا ودول أخرى، عبر حسابات وهمية على "إكس" و"تيك توك"، وبتحليل الاستراتيجيات اللغوية التى توظفها هذه الحسابات الوهمية في استهدافها شخصيات سياسية بالمملكة وتوظيفها لبعض الأحداث دينيًا تبين لي كيف تبُني معالجاتها لغويًا بمزيج من الإثارة والسخرية والتوظيفي السلبي مما يؤجج المشاعر ويشعل الفتن في النفوس.
وقد كان من شأن هذه الحسابات - لو لم يُكشف مصدرها - أن تُحدث أزمة بين الشعبين الشقيقين، قبل أن يتضح اليوم أنها تُدار من دول أوروبية وآسيوية تستهدف ضرب العلاقات العربية- العربية.
وتكشف البحوث العلمية الحديثة في الأكاديمية الإعلامية الدولية حول الأخبار الكاذبة والمضللة أن لها بُعدين: اقتصاديًّا وإيديولوجيًا.
وكنت أتبنى سابقًا نظرية في الاقتصاد السياسي مفادها أنه كلما انخفض متوسط الدخل في مجتمع ما، زاد احتمال لجوء بعض الأفراد إلى إنشاء حسابات وهمية لبث الشائعات بدافع تحقيق مكاسب مالية عبر المشاهدات والتفاعلات.
لكن بعد إعلان منصة "إكس" اليوم عن مصادر الحسابات التي تعمل على إشعال الفتن بين الشعوب العربية، فقد سقط هذا التفسير بالنسبة لي، ولم أعد أعتمده في تحليل هذه الظاهرة.
وفي الوقت نفسه، كانت بعض المداخل النظرية في علوم الاتصال - مثل إدارة إدراك الجماهير عبر وسائل الإعلام، وتأثير خطاب الإثارة على تشكيل الوعي - تفسّر قابلية المجتمعات للوقوع ضحية الشائعات الرقمية. غير أن هذه المداخل باتت أيضًا بحاجة إلى مراجعة جادة وإعادة تفكير عند دراسة إدارة إدراك الجمهور في عصر الإعلام الرقمي والاجتماعي. وللحديث بقية…













0 تعليق