أحيت الدول الأعضاء الـ193، الخميس، الذكرى الـ80 لتوقيع ميثاق الأمم المتحدة في 26 يونيو 1945 في سان فرانسيسكو.
وتعمل الأمم المتحدة في ظل ظروف سياسية واقتصادية وانسانية سيئة للغاية في ظل أزمة مصداقية تعاني منها نتيجة لسيطرة القوي العظمي على القرار السياسي الأممي مما أدي إلي تقويض المحاسبة الحقوقية الأمر الذي أدي إلي ظهور عالم شديد الاستقطاب تسوده حروب وكوارث انسانية وتجاوز وانتهاكات حقوقية غير مسبوقة أدي إلي نقص غير مسبوق في التمويل في ظل محاولات متكررة فاشلة لإثبات أنها تلعب دورًا ضروريًا لحل المشاكل الاقتصادية والسياسية والتي تعاني منها معظم الدول الأعضاء ال١٩٣ عززت بشكل كبير من فكرة إمكانية تلاشي المنظمة في المستقبل نتيجة لتحولها إلي قزما سياسا ليس له قدرة على التأثير في صنع القرار السياسي والحقوقي.
وفي قراءة تاريخية وتحليل لأداء المنظومة الأممية على مدار ٨٠ سنة منذ العام ١٩٤٥ نجد أن العالم تعرض إلي مجموعة من الأزمات الخطيرة بدأت مع نهاية الحرب الباردة على رأسها الإبادة الجماعية في رواند وحرب العراق والحرب في أفغانستان وأوكرانيا وغزة والسودان كل هذه الأختبارات فشلت الأمم المتحدة في إنهاء هذه الصراعات والضغط على القوي الدولية لحل هذه النزاعات مما جعل الجميع بما في ذلك المواطن البسيط يشعر بخيبة أمل والأهم فقدانه الإيمان بالقدرة على حل إيجاد حلول النزاعات والصراعات السياسية والتي يدفع ثمنها البشر خاصة الفئات المستضعفة الطفل والمرأة وكبار السن في الدول الفقيرة .
ولتوضيح الصورة أكثر والتأكيد على مدي ضعف الأمم المتحدة أعطي مثلا هو الأكثر ووضوحا في السنوات الأخيرة هو استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو ٥١ مرة في مجلس الأمن منذ العام ١٩٧٠ ضد إدانة إسرائيل أخرها ٤ مرات في أخر سنتين وهو الأمر الذي جاء ليؤكد على رغبة العديد من الدول الأعضاء سحب عضويتهم من الجمعية العامة في ظل أنعدام شبه تام لدوره في حل النزاعات وعدم القدرة على مواجهات القوي السياسية الكبري وعلى رأسها الولايات المتحدة بل تخطي الأمر ليصل إلي مهاجمة الأمين العام المسؤولين الكبار واتهامهم بمعادة السياسة وتهديدهم مما أدي إلي تقويض عملهم.
أما على المستوي الحقوقي فحدث ولا حرج تحول المجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي يتابع حالة حقوق الإنسان في الدول الأعضاء ال١٩٣ إلي ساحة قتال سياسي استخدمت فيه بعض الدول الملف لحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية مدفوعة بتقارير تحمل صبغة سياسية من منظمات حقوقية محسوبة على هذه الدول وما زاد من الطين بله هو سحب الولايات المتحدة عضويتها في المجلس مرتين الأولي في يونيو ٢٠١٨ والثانية في فبراير ٢٠٢٥ متهما المجلس وأعضائه بمعادة السامية بسبب أدانة إسرائيل بتجاوزات وانتهاكات غير مسبوقة رفعت من سقف التجاوزات والانتهاكات الحقوقية بشكل غير مسبوق أضعفت من قدرة المجلس الرقابية ويأتي هذا الأنسحاب ليؤكد على مدي الضعف والهون الذي أصاب أحد أهم البرامج التابعة للأمم المتحدة.
ولكي أكون منصفا هناك بعض النقاط المضيئة الصغيرة في المسيرة الأممية على مدار ٨٠ عاما أهمها العمل الميداني الذي يقوم به برنامج الغذاء العالمي الذي قدم مساعدات لأكثر مت ١٠٠ مليون شخص في ١٢٠ دولة وأيضا نشر آلاف العناصر من قوات حفظ السلام في مناطق النزاع المسلح لحماية المدنيين أما على المستوى السياسي النقطة المضيئة الأغرب هو جلوس ألد الأعداء على طاولة واحدة والسماح لأصغر الدول بالحديث وعلى الكبار الإنصات.
لم تستسلم الأمم المتحدة للأمر الواقع فخرجت ببعض الأفكار التي حاولت من خلالها إعادة إحياء دور الأمم المتحدة في حل الخلافات وإنهاء الصراعات وكانت أول هذه المحاولات إطلاق خطة التنمية المستدامة ٢٠٣٠ رسميا في ٢٥ سبتمبر ٢٠١٥ وشملت الخطة على ١٧ هدفا للتنمية المستدامة (SDGs) وهي أهداف تضمن القضاء على الفقر وحماية الكوكب وضمان السلام للجميع ولكن سرعان ما فشلت هذه المبادرة نتيجة للخلافات السياسية الحادة بين الدول الأعضاء والتي أدت إلي فشل هذه المبادرة وانسحاب العديد من الدول منها نتيجة لعدم جدواها.
وهنا أدرك الأمين العام أنطونيو جوتيرش أنه لا يجب الاستسلام لهذا الوضع والذي سوف يؤدي إلي إنهاء الدور الأممي وتقليص حجمه فلجأ إلي خطة جديدة وهي إطلاق قمة المستقبل في نيويورك في الفترة من ٢٢-٢٣ سبتمبر ٢٠٢٤ لمناقشة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والانسانية والبيئية التي يعاني منها الجزء الفقير الكبير من العالم طالب فيه الدول الغنية بتحمل مسؤولياتها تجاه الدول النامية والفقيرة والتي تعاني فيها من أوضاع اقتصادية وانسانية حرجة للغاية.
شاركت في هذه القمة ومن خلال المتابعة والرصد أستطيع أن أؤكد أن هذه المبادرة ستفشل كسابقتها ولن تجد الدعم المطلوب والمردود سوف يكون ضعيفا جدا بشهادة ممثلي الدول المشاركين والخبراء.
الحل من وجهة نظري لإعادة إحياء دور الأمم المتحدة لحل الصراعات والأزمات الدولية والإقليمية يبدأ من تغيير النظام السياسي في المنظمة الأممية وعلى رأسها إعادة النظر في سيطرة الدول الأعضاء الخمسة على حق النقض الفيتو والذي أضعف بشكل كبير من التأثير السياسي للمنظمة وجعل من مجلس الأمن نادي خاص للدول الاستعمارية الكبري يتحكمون في إدارته بما يتناسب مع مصالحهم السياسية والاقتصادية يبطلون عمله ولا ينسحبون منه والمؤكد إذا أستمر الوضع على ما هو عليه فهذا بمثابة كتابة شهادة وفاة لمنظومة هي في الأساس تعاني من المرض الشديد.












0 تعليق