ستظل مصر صوت الضمير الإنسانى فى العالم، تدافع عن الحق وتؤمن بالسلام.. وما كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفالية «مصر وطن السلام»، التى أقيمت بمدينة الفنون والثقافة فى العاصمة الإدارية، إلا وثيقة إنسانية تعبر عن فلسفة الدولة المصرية فى إدارة الأزمات، ونؤكد أن مصر لا تتحدث عن السلام بل تصنعه.. تلك الكلمة التى جاءت تجسيدًا حيًا لمعنى السلام الذى تنادى به مصر، ورسالة قوية إلى العالم، بأن مصر ما زالت- رغم كل ما تشهده المنطقة من صراعات- ركيزة الاستقرار وضمير الإنسانية، فى زمن فقد كثيرون فيه البوصلة الأخلاقية والسياسية.. كانت خطابًا وطنيًا وإنسانيًا شاملًا، عكس فلسفة الدولة المصرية فى التعامل مع القضايا الإقليمية والعالمية، القائمة على السلام برتكز على العدل والكرامة، وليس على التوازنات المؤقتة أو الضغوط السياسية.. تحدث الرئيس بوضوح وصدق، حين جدّد الرفض المصرى القاطع لمحاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، مؤكدًا أن هذا الموقف التاريخى ليس مجرد موقف سياسى، بل ترجمة عملية لمبدأ راسخ فى وجدان المصريين، وهو الانتصار للحق والدفاع عن الكرامة الإنسانية.. تحدث الرئيس من منطلق المسئولية الأخلاقية لمصر تجاه البشرية جمعاء، وأن السلام ليس شعارًا سياسيًا، بل التزام إنسانى ودينى راسخ فى وجدان المصريين منذ فجر التاريخ.. كانت علامة فارقة فى الخطاب السياسى المصرى الحديث، جامعة بين القوة فى الموقف، والإنسانية فى التعبير، وأكدت أن مصر ستظل حائط الصد الأول فى الدفاع عن القيم العربية والإنسانية.
لم تكن الاحتفالية محض أغنيات وعروض وثائقية مشاهد مسرحية، بل رسائل حملتها كل كلمة وكل تفصيلة، للداخل والخارج.. كان مشهد الرئيس السيسى وهو يحتضن الطفلة الفلسطينية «ريتاج»، أحد أكثر اللحظات تعبيرًا عن الجوهر الحقيقى للدبلوماسية المصرية.. فمصر لا ترى فى القضية الفلسطينية مجرد نزاع حدودى، بل قضية هوية وضمير تمس الوجدان الجمعى للأمة.. هذه الصورة كانت كفيلة بإيصال رسالة للعالم، أن الإنسان فى فكر الدولة المصرية هو محور السياسة وغاية القرار، الذى قال عنه الرئيس السيسى، أنه «مسئولية»، خصوصًا أن قضيتنا عادلة، ومصر لا تتعدى على حقوق الآخرين.. يقول الرئيس، منذ عامين، عندما حدث ما حدث فى غزة، قلت أن الأيام القادمة ستكون صعبة، ورد الفعل فى القطاع، مع أشقائنا الفلسطينيين سيكون ضخمًا وهائلًا.. كانت كل الدعوات التى طالبت مصر بقبول تهجير أهل غزة من القطاع صعبة.. وأن تجد نفسك وحيدًا.. تفكر وحيدًا، وسط اختلاف الناس.. هل يتم تهجير الفلسطينيين ويغادرون أرضهم؟.. أم يظلوا ثابتين فى أماكنهم؟.. أقول هذا بعد عامين، لندرك أن القرار هنا مسئولية.. وكلما كانت المسئولية كبيرة، كلما كان القرار خطيرًا، لأن تأثيره سيكون كبيرًا بالضرورة.
كنت متأكدًا، يقول الرئيس السيسى، أنه بفضل الله ستنتهى هذه الإشكالية، وأن يكون للمشكلة مخرجًا.. وتساءلت: هل ما قمنا به، وما اتخذناه من قرار كان فى مصلحة الفلسطينيين أم ضدهم؟.. وما كان يُظمئننى هو توفيق الله.. كان الأمر واضحًا.. فنحن فى مصر والعالم، نشاهد المعاناة الموجودة، ونسعى جميعًا ونجتهد للتقليل من آثارها، والتخفيف عن الناس.. وكان لكل أمر حساباته.. وهنا لا بد للحسابات أن تكون دقيقة.. وكان- قبل ذلك- الرجاء فى توفيق الله.. وكان ما حدث فى شرم الشيخ، فضل من الله كبير، وكان لنا الفخر والشرف أن الله هو الذى ساعدنا، وذلك دليل على عدالة قضيتنا، وعدم جنوحها للظلم أو الافتراء أو التعدى على حقوق الآخرين.
لما سبق، فإن كلمة الرئيس جاءت وثيقة أخلاقية وسياسية، تؤكد أن القرار فى مصر لا يصدر إلا من ضمير وطنى مسئول، وأن القيادة المصرية لا تعرف التسرع ولا المزايدات، بل تُدرك أن «القرار مسئولية، وكلما كانت المسئولية كبيرة كان القرار خطيرًا»، وأن مصر لم تظلم يومًا ولم تتعدَّ على حقوق أحد، بل ظلت على الدوام نصيرًا للحق، مدافعًا عن المظلومين.. فى عهد الرئيس السيسى تمضى مصر بثقة، فى طريقها كدولة راعية للسلام فى عالم يموج بالتناقضات، وقد أعادت القيادة المصرية تعريف مفهوم السلام، ليصبح مرتبطًا بالكرامة الإنسانية لا بالمصالح الضيقة، ولذا، فإن احتفالية «مصر وطن السلام» كانت تأكيدًا جديدًا على أن مصر لا تتحدث عن السلام بل تصنعه، من منظلق مكانتها كقلب السلام فى المنطقة والعالم.
يرسخ تأكيد الرئيس السيسى على أننا كنا واثقين من قدرتنا على إنهاء أزمة غزة وسعينا جميعا لإنهاء معاناة الفلسطينيين، يرسخ مفهوم الدولة القوية الفاعلة، التى تمتلك الأدوات والنية الصادقة لإنهاء الأزمات الإنسانية والسياسية المُعقدة، ويؤكد على أن مصر طرف رئيسى ومؤثر فى معادلة السلام الإقليمى، وأن عبارة «لم نظلم ولم نتعد على حقوق الآخرين» تُمثل رسالة قوية على الصعيدين الداخلى والدولى، وهى طمأنة للداخل بأن سياسات الدولة مبنية على العدل، وتأكيد للمجتمع الدولى على احترام مصر للقوانين والمبادئ الإنسانية.. كما أن الجملة الختامية فى كلمة الرئيس، التى ربطت النصر بـ«قوة الشعب أولًا» تُشكل دعوة لتعزيز الوحدة الوطنية ورفع الوعى، وتذكير بأن الإرادة الشعبية هى الضمانة الحقيقية لتجاوز التحديات وتحقيق الأهداف الوطنية، وأن أى انتصار خارجى أو داخلى ينبع من صمود الجبهة الداخلية ورفضها للهزيمة.. كانت الكلمة خارطة طريق تلخص الموقف المصرى الثابت إزاء أزمة غزة، وتشدد على القوة الكامنة فى الشعب المصرى وإرادته.. فالنصر لا يُقاس فقط بالقوة العسكرية، وإنما بإرادة الشعب ووعيه وإيمانه بوطنه، وقد وضع الرئيس الشعب المصرى فى مكانته الحقيقية، كصانع لكل إنجاز ودرع لكل تحدٍ.. تحدث الرئيس السيسى من قلب التجربة الوطنية، مخاطبًا المصريين بروح القائد الذى عاش تفاصيل المعركة، وعرف قيمة الصمود الشعبى فى مواجهة الأزمات، لأن مصر استطاعت خلال السنوات الماضية أن تُحقق المعادلة النادرة، بين حماية الأمن القومى ومساندة القضايا العربية والإنسانية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، دون أن تفرط فى حق من حقوقها أو تتهاون فى أمنها.
لقد عكست العروض الوثائقية التى شهدتها الاحتفالية حقيقة الدور المصرى على الأرض، من استقبال الجرحى الفلسطينيين، وتوفير الرعاية الطبية والإنسانية لهم، إلى الجهود المتواصلة فى التهدئة وإعادة الإعمار.. وهى دلائل عملية على أن مصر لا تكتفى بالخطاب، بل تمارس السلام بالفعل، وتقدم نموذجًا فريدا للدولة التى تجمع بين قوة الردع العسكرى وإنسانية القرار السياسى، وتؤكد أن مصر، فى ظل قيادة الرئيس السيسى، لا تتاجر بالسلام ولا تساوم على القضايا العادلة، بل تمضى بخطى ثابتة لتكون كما أرادها الله: وطن السلام.. وضمير العدل الإنسانى فى عالم مضطرب.. توقيع الرئيس على «رسالة سلام من مصر إلى العالم»، لم يكن مجرد إجراء رمزى، بل تجسيد لرؤية مصر الثابتة بأن السلام حق إنسانى مقدس، وأن الدفاع عنه لا يقل شرفًا عن الدفاع عن الأرض والوطن، وما تقوم به مصر من جهود لوقف الحرب فى غزة وإنقاذ المدنيين، هو امتداد طبيعى لتاريخها فى نصرة الإنسان مهما كانت ديانته أو جنسيته، وتأكيد أن الشعب المصرى الذى انتصر فى أكتوبر بسلاح الإرادة، هو نفسه الذى يقف اليوم دفاعًا عن قيم العدالة وحق الشعوب فى الحياة.. وبذلك، فقد قدمت الاحتفالية نموذجًا راقيًا لتكامل القوة الصلبة والناعمة للدولة المصرية، والتى أكدت أن السلام الذى تنادى به مصر ليس سلامًا هشًا أو مؤقتًا، بل سلامًا مبنيًا على القوة والاحترام المتبادل والإنسانية المشتركة.
يجسد مشهد لقاء الرئيس بالطفلة الفلسطينية «ريتاج»، الوجه الإنسانى للدولة المصرية، ويؤكد أن قضية فلسطين ليست ملفًا سياسيًا فحسب، بل قضية وجدان وشرف وضمير مصرى، وأن رعاية مصر لأبناء الشعب الفلسطينى وإيواء المصابين ودعم غزة ماديًا وإنسانيًا، هو امتداد طبيعى لدورها التاريخى فى حماية العدالة.. المشهد كان تعبيرًا صادقًا عن جوهر الدور المصرى فى حماية الإنسان وبناء السلام الحقيقى فى المنطقة والعالم.
●●●
حتى ندرك، كيف أن الاحتفالية مثلت تجسيدًا حيًا لمعنى السلام الذى تنادى به مصر، ونها رسالة إلى العالم، بأن القاهرة ما تزال- رغم ما تشهده المنطقة من صراعات- ركيزة الاستقرار وضمير الإنسانية.. تعالوا لنقرأ الدور المصرى لتحصين اتفاق وقف الحرب فى غزة ضد انهياره، رغم جهود رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، للحيلولة دون استمراره، خصوصًا أنه منذ قمة شرم الشيخ، التى شهدت التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، بدا أن مستقبل التهدئة يشوبه الغموض وتكتنف الخطوات المقبلة للاتفاق كثير من الضبابية.. لكن الرهان المصرى كان الدفع نحو وقف القتال وتبادل الأسرى والمحتجزين، مع العمل على تثبيث التهدئة، وهو ما ظهر فى التحركات المتسارعة التى قامت بها القاهرة فى الأيام العشرة الماضية منذ توقيع الاتفاق، فى مقابل دعوات إسرائيلية لتعطيل تنفيذه أو حتى العودة إلى القتال، كما تؤكد صحيفة الإندبندنت البريطانية.
تقول الصحيفة، إن التحركات المصرية اتخذت مسارات متوازية، بداية من التنسيق مع القوى الدولية الفاعلة للضغط باتجاه تنفيذ إسرائيل التزاماتها بموجب الاتفاق، مرورًا بالتواصل مع طرفى الاتفاق، إسرائيل وحماس، للتوجه نحو المرحلة الثانية منه، وإعادة ترتيب البيت الداخلى الفلسطينى لرسم مستقبل إدارة غزة بعد الحرب، وحتى الإعلان عن مؤتمر لإعادة إعمار القطاع، وحشد الدعم الدولى للمشاركة فيه.. وبعد ساعات من مؤتمر شرم الشيخ، كانت الاستعدادات لفتح معبر رفح قد اكتملت لإدخال المساعدات، لتضع بذلك مصر إسرائيل أمام التزاماتها التى قطعتها فى الاتفاق، الذى أُبرم بضغط من الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب.
حرص وزير الخارجية، د. بدر عبدالعاطى، على نزع الذرائع الإسرائيلية لتعطيل الاتفاق بدعوى عدم تسليم جثامين المحتجزين، بحديثه فى عدة وسائل إعلام أمريكية، عن قنوات اتصال مفتوحة مع الجانبين الإسرائيلى والأمريكى، عن وجود صعوبات فى استخراج تلك الجثامين من تحت الركام، وتأكيد أن تلك الرسالة نُقلت للرئيس ترمب خلال وجوده فى شرم الشيخ فى الثالث عشررمن أكتوبر الجاري.. كذلك، دعا وزير الخارجية، فى اتصالات مع عديد من نظرائه الأوروبيين، وعلى رأسهم الفرنسى والبريطانى، إلى الالتزام ببنود اتفاق شرم الشيخ، والعمل على الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، التى تشمل ترتيبات إدارة غزة بعد الحرب والانسحاب الإسرائيلى إلى ما يعرف بالخط الأحمر، توازيًا مع نزع سلاح حماس وتشكيل قوة دولية لحفظ الأمن.
التحركات المتسارعة من جانب القاهرة، جاءت فى وقت تعالت فيه الأصوات داخل إسرائيل لاستئناف الحرب على القطاع، أبرزها من وزير الأمن القومى، إيتمار بن جفير، كما أكد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أنه ملتزم بإعادة جثامين المحتجزين كافة.. معتبرًا أن «المعركة لم تنته بعد».. وعلى الأرض، خرقت القوات الإسرائيلية وقف إطلاق النار مرارًا، خصةصًا فى رفح، التى شهدت فى الثامن عشر من أكتوبر الجارى قصفًا عنيفًا، بعد توجيه اتهام لحماس بخرق الاتفاق، وهو ما لم يثبت بحسب تصريحات تارمب.. كذلك أغلقت إسرائيل المعابر إلى غزة، وفتحتها لاحقًا بضغط من واشنطن.
التحرك المصرى الأبرز جاء بعد يومين من القصف الإسرائيلى على رفح، بزيارة رئيس المخابرات المصرية، اللواء حسن رشاد، إسرائيل لإجراء محادثات مع نتنياهو، بهدف بحث كيفية تحصين الهدنة.. كما اجتمع رشاد مع المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذى كان موجودًا فى إسرائيل، حيث وشهد الأسبوع الماضى سلسلة من الزيارات الأمريكية إلى إسرائيل، للضغط على نتنياهو لمواصلة تنفيذ اتفاق شرم الشيخ، إذ وصل المبعوثان، ستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر، فى الحادى والعشرين من أكتوبر، وفى اليوم التالى، نائب الرئيس الأمريكى، جى دى فانس، ثم وصل وزير الخارجية، ماركو روبيو، الخميس الماضى، ووصلت بعدهم نائبة المبعوث الأمريكى، مورجان أورتاجوس، لأيضًا إلى إسرائيل.
وقد عدَّت هيئة البث الإسرائيلية، أن توافد كبار المسئولين الأمريكيين، رسالة واضحة لحكومة نتنياهو، بعدم اتخاذ خطوات تعرض وقف إطلاق النار للخطر،. مضيفة، فى تقرير نشر يوم السبت، أن واشنطن تمنع تل أبيب من اتخاذ خطوات عدائية فى غزة أو ضد حركة حماس، بسبب تأخر إعادة جثامين المحتجزين الإسرائيليين.. كذلك، تسعى مصر إلى اتخاذ خطوات متوازية، بوقف الحرب وإدخال المساعدات وإعادة الإعمار، خشية الذرائع الإسرائيلية وعرقلة المضى قدمًا فى اتفاق غزة بمراحله.
مساعد وزير الخارجية السابق، السفير حسين هريدى، يرى أن هناك تنسيقًا للتحركات بين مصر وأمريكا، لوقف النار وتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب للسلام فى غزة.. لافتًا إلى رعاية مصر اتفاق الفصائل الفلسطينية على إطار عام للتحرك الفلسطينى، لتنفيذ خطة ترامب والمرحلة الثانية منها.. وشدد على أن هناك رسالة أمريكية واضحة لنتنياهو، بعدم المناورة فى تنفيذ اتفاق غزة، وأن عليه الالتزام به، وأن واشنطن جادة فى التنفيذ ووقف الحرب، كما يظهر من افتتاح مركز التنسيق المدنى العسكرى فى جنوب إسرائيل.
ودخلت مصر على خط نزع ذريعة جثامين المحتجزين، من خلال إرسال معدات وفريق متخصص إلى غزة، للمساعدة فى انتشال الجثامين، بدعم من معدات ومساعدات لوجيستية، بهدف تحديد أماكن تلك الجثامين تحت الركام، فى ظل حالة الدمار التى يشهدها القطاع، حتى فى المناطق ما وراء الخط الأصفر التى يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.. فيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن موافقة تل أبيب على دخول الفريق المصرى، يعد نتاجًا لضغط أمريكى، بعدما كانت ترفض مشاركة أى فرق أجنبية فى مساعدة حماس على انتشال جثامين الرهائن.. وذلك ما كان ليحدث لولا الموقف المصرى، وتوافقه التام مع رؤية الرئيس ترامب.
وفى خط موازٍ، عملت مصر على توحيد الصوت الفلسطينى المنقسم، سعيًا إلى الوصول لتوافق فى شأن مستقبل غزة ما بعد الحرب، خصوصًا أنه وفق خطة ترامب واتفاق شرم الشيخ، فلن يكون لحماس دور فى إدارة القطاع، بل ستسلم السلطة إلى لجنة فلسطينية غير فصائلية.. لذلك، كانت المهمة الأولى لرئيس المخابرات المصرية عند عودته من إسرائيل، هى الالتقاء مع ممثلى الفصائل الفلسطينية، ومن بينها حماس، ونائب الرئيس الفلسطينى، حسين الشيخ، ومدير المخابرات الفلسطينية، ماجد فرج.. ونجحت القاهرة فى جمع الشيخ مع رئيس وفد حماس المفاوض، خليل الحية.
أثمرت اجتماعات القاهرة عن إعلان القوى والفصائل الفلسطينية، على تسليم إدارة قطاع غزة إلى لجنة فلسطينية مؤقتة من أبناء القطاع، مشكلة من مستقلين «تكنوقراط»، على أن تكون هناك لجنة دولية تشرف على تمويل وتنفيذ عملية إعادة الإعمار.. وأوضح بيان صحفى فى ختام الاجتماعات، أنها جاءت فى إطار مناقشات المرحلة الثانية من خطة ترامب لإنهاء حرب غزة، تمهيدًا لعقد حوار فلسطينى شامل، يهدف إلى حماية المشروع الوطنى واستعادة الوحدة.. كما اتفقت الفصائل على أهمية استصدار قرار أممى فى شأن القوات الأممية المؤقتة، المزمع تشكيلها لمراقبة وقف إطلاق النار.. ودعا البيان إلى عقد اجتماع عاجل لكل القوى والفصائل الفلسطينية، للاتفاق على استراتيجية وطنية، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى.
وهنا، يقع على عاتق مصر إنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، من خلال «لم الشمل»، وتقديم مقترحات تفضى إلى وحدة فلسطينية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعى الوحيد للفصائل الفلسطينية، وقد استهدف اجتماع القاهرة، عقد مؤتمر وطنى جامع لإنهاء الخلافات بين الفرقاء، يرى فيه المتخصص فى مجال العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، أن القاهرة تحركت لتوحيد الصف الفلسطينى، باستضافة قادة الفصائل فى القاهرة، لإنهاء الانقسام وإعادة ترتيب البيت الفلسطينى لـ«ضمان وجود قوة فى غزة بمشاركة فلسطينية».. وأن خطة مصر فى شأن مستقبل إدارة غزة بعد الحرب، تنحصر فى تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراط لفترة موقتة.
أرادت مصر تحصين اتفاق غزة بعقد مؤتمر شرم الشيخ للسلام، لإلزام ترامب بضمانته الشخصية للاتفاق، خشية انقلاب إسرائيل عليه.. خصوصًا أن إسرائيل اخترقت الاتفاق أكثر من مائة مرة، بذريعة عدم تسلم جثامين الرهائن المتبقين فى القطاع، مبررة بأن حماس تماطل فى استخراج الرفات، فضلًا عن التنصل من تنفيذ البروتوكول الإنساني.. لكن إدارة ترامب تدرك «ألاعيب» إسرائيل، ولذا أرسلت أربعة من أبرز المسئولين، على رأسهم نائب الرئيس، جى دى فانس، إضافة إلى إنشاء مركز التنسيق المدنى العسكرى فى إسرائيل، للإشراف بصورة مباشرة على تنفيذ الاتفاق، الذى افتتحته القيادة المركزية الأمريكية الأسبوع الماضى، فى جنوب إسرائيل، وعين الفريق باتريك فرانك، قائد الجيش الأمريكى المركزى، مسئولًا عسكريًا عنه، إضافة إلى تعيين الدبلوماسى الأمريكى، ستيفن فاجن، فى منصب المسئول المدنى.. ويختص المركز بمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ويضم قاعة عمليات لتقييم التطورات لحظيًا.
المسار الآخر لتعبيد الطريق أمام المراحل التالية من الاتفاق، كان الحشد المصرى لمؤتمر التعافى المبكر وإعادة إعمار غزة، إذ أعلنت مصر عزمها استضافة المؤتمر فى النصف الثانى من نوفمبر المقبل، وأجرى وزير الخارجية، د. بدر عبدالعاطى، عديدًا من الاتصالات الهاتفية مع وزراء خارجية دول أوروبية.. وكان تثبيت وقف إطلاق النار، والدعوة إلى المشاركة فى إعمار غزة، من أول العناصر على أجندة الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال زيارته إلى بروكسل الأسبوع الماضى، للمشاركة فى القمة المصرية- الأوروبية الأولى.. كما دعا الرئيس السيسى الشعب المصرى إلى التبرع لمصلحة جهود إعادة الإعمار، تعبيرًا عن التضامن والمسئولية والمحبة تجاه الأشقاء الفلسطينيين.. وكلف رئيس مجلس الوزراء، د. مصطفى مدبولى، بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنى والجهات المعنية بالدولة، لدراسة إنشاء آلية وطنية لجمع مساهمات وتبرعات المواطنين، فى إطار تمويل عملية إعادة إعمار قطاع غزة.. وكانت مصر قد قدمت فى مارس الماضى خطة للتعافى المبكر وإعادة الإعمار فى القطاع، وأقرتها القمة العربية فى القاهرة، وحظيت بدعم منظمة المؤتمر الإسلامى والاتحاد الأوروبى ودول كبرى مثل روسيا واليابان.. وتتضمن الخطة مرحلة للتعافى المبكر ومرحلتين لإعادة الإعمار، بكلفة إجمالية قدرها ثلاثة وخمسين مليار دولار، تقول الأمم المتحدة أنها سبعين مليار دولار.
●●●
■■ وعود على بدء..
فقد أعادت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى احتفالية «مصر وطن السلام»، التى أقيمت بمدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية الجديدة، التأكيد على أن مصر كانت وستظل أرضًا للتسامح وقيم التعايش، وأن قوتها الحقيقية تنبع من ثقافتها الحضارية الممتدة، ومن التزامها الأخلاقى تجاه السلام.. فمصر تقدم نموذجًا فريدًا لدولة تحمى السلام بقوتها وتعززه بحكمتها، وتسهم فى استقراره داخل حدودها وخارجها.. دولة تتعامل من منطلق إنسانى ومسئول مع الضغوط الدولية المتعلقة بملف غزة، ولن تسمح بالمساس بأمنها القومى أو بتغيير الواقع الديموجرافى لفلسطين.. وستظل مصر صوتًا للضمير الإنسانى المدافع عن العدالة وحق الشعوب فى الحياة.. دولة يقودها رئيس يتحدث بروح القائد الذى يؤمن بقدرات المصريين، ويعمل من أجل حاضر أفضل ومستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا لمصر وأبنائها.. وبه ومعه، ستظل مصر قلعة الأمن والاستقرار فى المنطقة، ماضية فى طريق التنمية والبناء مهما كانت التحديات.. لم تكن دعوته لترسيخ ثقافة السلام مجرد شعارات، بل تأكيد أن مصر تمتلك الإرادة والقدرة على الدفاع عن أمنها، وصون كرامة أبنائها، فى الداخل والخارج.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.




