أوضح الناشط الفلسطيني يحيى حلس أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة لا تزال كارثية رغم ما يُقال عن دخول المساعدات، مؤكدًا أن ما يصل فعلياً إلى القطاع لا يلبي الحد الأدنى من احتياجات السكان.
وأوضح، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن عدد الشاحنات التي تدخل يومياً لا يتجاوز 100 شاحنة فقط، في حين أن الحصة اليومية المفترضة يجب أن تكون نحو 600 شاحنة لتغطية احتياجات أكثر من مليوني إنسان يعيشون في ظروف قاسية منذ اندلاع الحرب.
وأضاف حلس أن ما يدخل إلى غزة لا يحتوي على المواد الأساسية اللازمة لإنقاذ الأرواح أو معالجة المرضى، إذ تفتقر الشاحنات إلى الأدوية الحيوية والمستلزمات الطبية الضرورية. كما لا يُسمح بدخول الكوادر الطبية الدولية التي يمكن أن تسهم في تشخيص أمراض سوء التغذية المنتشرة بشكل مقلق بين الأطفال والنساء وكبار السن.
وأشار إلى أن المواد الغذائية التي تصل حالياً تقتصر على السلع التموينية الجافة مثل الأرز والسكر والبقوليات، في حين تغيب الأغذية الطازجة والمتنوعة الضرورية لنظام غذائي صحي ومتوازن.
ومؤخراً، دخل بعض أصناف الفواكه والدجاج المجمد، لكنها تباع بأسعار خيالية لا يستطيع المواطن ذو الدخل المتوسط تحملها، ناهيك عن العائلات التي لا تملك أي مصدر دخل، والتي تمثل النسبة الأكبر من سكان غزة.
وأوضح حلس أن البيض لم يدخل القطاع حتى الآن، كما أن منع دخول الدجاج الحي واللحوم الحية من الأغنام والأبقار فاقم من أزمة البروتين الحيواني، ما يشكل تهديداً حقيقياً على الصحة العامة خاصة بين الأطفال الذين يعانون من ضعف المناعة ونقص النمو.
وفي ما يتعلق بالقطاع الصحي، شدد على أن أزمة الدواء تتفاقم يوماً بعد يوم، وأن السفر للعلاج في الخارج يقتصر على أعداد محدودة جداً أسبوعياً، ما يترك آلاف المرضى في مواجهة مصير مجهول.
وختم حلس تصريحه قائلاً: "ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد أزمة غذاء، بل انهيار شامل في مقومات الحياة. إدخال الشاحنات بهذا الشكل الرمزي لا يعني أن المساعدات وصلت، فالجوع والمرض ما زالا يطاردان الناس في كل بيت، والكارثة مرشحة للتفاقم ما لم يُفتح المعبر بشكل كامل وتُرفع القيود عن دخول الغذاء والدواء والفرق الطبية الدولية".
فارس مروان فارس: الاحتلال يتنكر لإنسانية سكان غزة ويستخدم التجويع كسلاح حرب وجريمة ممنهجة"
من جانبه، قال الناشط الفلسطيني فارس مروان فارس إن حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ابتداءً من رئيسها وانتهاءً بآخر أعضائها، تتنكر لحقيقة أن معظم من يعيشون في قطاع غزة هم مدنيون عُزّل، وأن نحو نصف سكان القطاع هم من الأطفال.
وأوضح فارس، في تصريحات خاصة لـ"الدستور" أن الخطاب الإعلامي والجماهيري في إسرائيل يتجاهل هذا الجانب الإنساني تماماً، فحتى بعد أن تجاوز عدد الشهداء في غزة وفقاً لوزارة الصحة الـ68 ألفاً، بينهم أكثر من 30 ألفاً من النساء والأطفال، ما زال النقاش داخل إسرائيل يتركز على المصالح الأمنية والسياسية دون أي اعتبار للبعد الإنساني أو الأخلاقي.
وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم سياسة التجويع كسلاح حرب حتى قبل العدوان الأخير، إذ كان يتيح دخول الحد الأدنى فقط من السعرات الحرارية اللازمة لبقاء السكان على قيد الحياة، مشيرًا إلى أن هذه السياسة تصاعدت منذ السابع من أكتوبر، حين أعلن مسئولون إسرائيليون بشكل علني عن نيتهم حرمان المدنيين في غزة من الغذاء والماء والوقود، وهو ما يُعدّ جريمة حرب مكتملة الأركان.
وأكد فارس أن التجويع يعد شكلاً من أشكال العقاب الجماعي المخالف للقانون الإنساني الدولي، مشيراً إلى أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ينص بوضوح على أن حرمان المدنيين عمداً من الموارد الحيوية يدخل في نطاق جرائم الحرب.
وأوضح الناشط الفلسطيني أنه رغم وقف الحرب وزيادة أعداد الشاحنات التي تدخل إلى قطاع غزة، إلا أن آثار التجويع ما زالت واضحة على السكان، خاصة بين الأطفال حديثي الولادة الذين يعانون من ضعف البنية وسوء التغذية، مشيراً إلى أن حوالي 70% من المواليد الجدد منخفضو الوزن، وأن حالة حمل من كل ثلاث تعتبر عالية الخطورة بسبب تدهور الوضع الصحي.
وختم فارس تصريحه بالتأكيد على أن غالبية سكان قطاع غزة خسروا كل ما يملكونه، ولا يستطيعون تلبية أبسط احتياجاتهم اليومية، في وقت لا يزال فيه معظم المستشفيات والمراكز الصحية خارجة عن الخدمة أو تعمل بأدنى طاقتها، مما ينذر بكارثة إنسانية طويلة الأمد.
أولى الوجبات بعد حرمان عام ونصف
قال المواطن الفلسطيني يوسف السلطان، إن لحظة تناول وجبته الأولى بعد أكثر من عام ونصف من الحرمان كانت أشبه باستعادة جزء من الحياة التي سلبتها الحرب.
وأضاف : اليوم أول يوم بأكلها بعد سنة ونص من الجوع والحرمان، ولكن هذه السعادة العابرة لا تخفي حجم المعاناة العميقة التي يعيشها سكان قطاع غزة، حيث تحول سوء التغذية إلى كابوس يطارد الكبار قبل الصغار، ويهدد أجيالًا كاملة من الأطفال والنساء بأمراض وضعف دائم يصعب التعافي منه حتى بعد دخول المساعدات.
ويرى السلطان أن وصول بعض المواد الغذائية خلال الأسابيع الماضية لا يعني أن الأزمة انتهت، موضحًا أن الجوع ترك بصماته على أجساد وذاكرة الناس، وأن استعادة القوة والصحة "تحتاج إلى سنوات، وليس مجرد وصول المساعدات".
ويضيف: "حتى لو دخلت كل المواد التموينية، سيبقى سوء التغذية متجذرًا في الشباب قبل الأطفال، وسنحتاج إلى سنين لاسترجاع صحتنا التي دمرتها الحرب، وسنوات أخرى للخروج من فوبيا الخوف والموت وعدم اليقين".
واختتم السلطان تصريحه قائلًا: "نحن نحاول نعيش، لكن الحرب أكلت فينا من الداخل قبل الخارج، ويكمن نحتاج عمر كامل حتى نرجع نعيش بطعمها الحقيقي".
"منيب سعدة: مجاعة غزة تسرق الطفولة.. ويزن أبو فول نموذج لطفل أنهكه الجوع حتى صار هيكلًا عظميًا"
وقال المواطن الفلسطيني منيب سعدة "مجاعة غزة تسرق الطفولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، الطفل يزن أبو فول، عمره عامان فقط، لكنه اليوم أشبه بهيكل عظمي بعد أن أنهكه الجوع والمرض.
وأضاف قصص الألم التي يعيشها أطفال غزة يجب أن تُروى للعالم أجمع، فهناك أطفال يموتون بصمت بسبب سوء التغذية ونقص الدواء، وأمهات يقفن عاجزات أمام صرخات أطفالهن دون أن يجدن ما يقدمنه لهم.
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة بحق الطفولة والإنسانية جمعاء. هؤلاء الأطفال الذين كان من المفترض أن يلعبوا ويضحكوا، أصبحوا اليوم يصارعون من أجل البقاء في ظل حصار خانق وحرمان من أبسط مقومات الحياة.
وختم: يزن أبو فول ليس حالة فردية، بل مثال لمعاناة جيل كامل يُنتزع منه حقه في الحياة يوماً بعد يوم".
0 تعليق