إلاّ أن هذا الانتظار يُظهر مدى تعلّق اللبنانيين بـ "حبال الهواء" تمامًا كمن يستجدي الماء في صحراء قاحلة وماحلة. أمّا الذين يتعاطون مع هذا اللقاء بكثير من الواقعية السياسية فيقولون في سرّهم ما سبق أن قيل قبل الفي سنة "هل يُطلب من العوسج أن يثمر عنبًا أو تينًا".
الرهان على نتائج لقاء ترامب – نتنياهو ليس جديدًا في قاموس السياسة اللبنانية. سبقه رهان على إدارات أميركية، وعلى مبادرات فرنسية، وعلى وساطات أممية، وعلى وعود عربية ودولية، وكلّها انتهت إلى النتيجة نفسها، وهي أن لا أحد يمنحك ما لا تطالب به بنفسك، ولا أحد يحمي دولة قرّرت طوعًا التخلّي عن عناصر قوّتها السيادية.
الأخطر من الانتظار بحدّ ذاته هو هذا الوهم المصاحب له. وهمٌّ بأن الرئيس الأميركي، أيًا يكن اسمه أو توجهه، سيضع مصلحة لبنان فوق مصلحة إسرائيل. ووهمٌّ بأن الحكومة الإسرائيلية، التي يقودها بنيامين نتنياهو، ستتعامل مع لبنان كدولة ذات سيادة لا كخاصرة رخوة يمكن الضغط عليها ساعة تشاء. فمن كان ينتظر حلًُّا من هذا اللقاء فإنما يطلب العدل من ميزان مختلّ أصلًا.
المفارقة المؤلمة هي أن اللبنانيين، الذين علقّوا آمالهم على هذا اللقاء أو أي لقاء آخر، يدركون في قرارة أنفسهم أنه لن يحمل لهم خلاصًا. ومع ذلك ينتظرون. ليس لأنهم يثقون بنتائجه، بل لأنهم فقدوا الثقة بكل ما هو داخلي، أي بدولة مغلوب على أمرها، وبسلطة لا تملك قرار الحرب والسلم، وبمؤسسات تعاني، وفقدوا بالتالي إيمانهم بقدرة النظام السياسي على إنتاج حل أو حتى موقف.
فالدولة الغائبة لا تُستشار عن مصيرها. والدولة المنقسمة لا يُحسب لها حساب. والدولة التي لا تملك قرار الحرب ولا قرار السلم، لا يُفاوَض باسمها، بل عليها. من هنا، يصبح انتظار نتائج لقاءات الخارج فعل عجز أكثر منه فعل أمل.
لبنان لا يحتاج إلى قراءة متأنية في فنجان لقاء ترامب – نتنياهو، ونترك ذلك للمنجمي رأس السنة، بل يحتاج إلى قراءة جريئة لواقعه الداخلي. وأكثر من ذلك يحتاج إلى سلطة تعرف ماذا تريد، وإلى قرار سيادي واضح، وإلى دولة تقول "لا" حين يجب أن تقولها، لا أن تكتفي بانتظار ما سيتفضّل به الآخرون، وأن تحزم أمرها في كل ما له علاقة بالسيادة واستعادة دورها المحوري في الداخل وفي المنطقة.
فمن يطلب العنب من العوسج، سيعود دائمًا خائبًا. ومن ينتظر خلاصه من طاولة الآخرين، سيبقى معلّقًا بـ "حبال الهواء".
فما قاله الرئيس الأميركي عن الحكومة اللبنانية و"حزب الله" يختصر مشهدية ما كان عليه الوضع في العام 2025، وما سيكون عليه في العام 2026، وهو يصبّ في خانة تصريحات المبعوث الأميركي توم برّاك حين وصف لبنان بأنه "دولة فاشلة لا تريد أن تبسط سيطرتها".
Advertisement












0 تعليق