الرسالة وصلت الى لبنان عبر "الضاحية"…فهل ينقلب المشهد؟!"

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
دخل المشهد اللبناني خلال الأسابيع الأخيرة مرحلة توتّر متصاعد مع ارتفاع منسوب الرسائل العسكرية والسياسية التي توجهها إسرائيل وواشنطن في اتجاه بيروت، فيما تتزايد الضغوط على الحكومة وسط انقسام داخلي حاد حول ملف سلاح "حزب الله". وبرغم كل محاولات الاحتواء، واصل المشهد السياسي والأمني الانزلاق في اتجاه واحد، إلى أن انتقلت "تل أبيب" باتجاه خطوة أخطر مستهدفةً الضاحية الجنوبية لبيروت في محاولة لدفع المواجهة نحو مستوى جديد من الضغط على الدولة اللبنانية.

Advertisement


وفي سياق التصعيد، لم يقتصر الاستهداف على اغتيال شخصية قيادية بارزة في "حزب الله"، بل جاء كجزء من قرار محسوب بفتح الضاحية كمساحة مباشرة في لحظة ترى فيها "تل أبيب" أن الظروف الداخلية في لبنان تتيح مجالاً للضغط إلى أقصى حد. وبهذا المعنى تحوّل الاغتيال إلى رسالة سياسية مباشرة تفيد بأنّ الحكومة لا تمتلك ترف الانتظار في ملف السلاح، وأنّ إسرائيل تتعامل مع المرحلة كفرصة مناسبة لانتزاع تنازل كبير من الدولة اللبنانية. ومن هنا دخلت الضاحية إلى واجهة الابتزاز السياسي والأمني في وقت واحد، إذ لم يعد الهدف إصابة موقع أو شخصية بعينها، بل إدخال العاصمة نفسها في لعبة التوازنات ودفع السلطة إلى زاوية ضيّقة لا يمكن الخروج منها إلا بخيار صدامي أو بانفجار داخلي. وعلى هذا الأساس تتعامل إسرائيل مع الضربة كخطوة في مسار متكامل، ترى فيه فرصة لفرض قواعد جديدة قبل أن يتمكّن الداخل اللبناني من إعادة ترتيب خطوطه.

وفي هذا الإطار، تعاملت قيادة "الحزب" مع الضربة بوصفها جزءاً من المسار الذي كان من المتوقّع بروزه مباشرة بعد مبادرة رئيس الجمهورية جوزاف عون عشية الاستقلال، إذ قرأت "تل أبيب" تلك المبادرة كعامل يحدّ من قدرتها على فرض شروطها فاختارت الرد من خارج السياسة واستهدفت الضاحية لتؤكد رفضها لأي مقاربة تفاوضية تمنح الدولة اللبنانية هامش قرار فعلي. وفي المقابل قدّم القيادي في "حزب الله" محمود قماطي موقفاً واضحاً يضع "الحزب" تحت سقف الحكومة، مهما اتخذت من خيار، وهو توجّه يعكس رغبة ثابتة في إدارة المواجهة من داخل القرار الرسمي ومنع "تل أبيب" من الحصول على الذريعة التي تسعى إليها لتوسيع الحرب.

على هذا الأساس بدا المشهد داخل "الحزب" أكثر وضوحاً، لأنّ القيادة تعتبر أنّ "تل أبيب" رفعت مستوى الضغط منذ اللحظة التي طرح فيها قائد الجيش رودولف هيكل خطته الأخيرة، وهي خطوة تعاملت معها إسرائيل كإشارة إلى تغيير في إدارة الملف الأمني داخل لبنان. وتقاطعت هذه القراءة مع المعلومات التي وصلت إلى بيروت قبل نحو عشرين يوماً حول نية إسرائيل تنفيذ تصعيد في أواخر تشرين الثاني، ما وضع الضربة، وفق مصادر مطلعة، في إطار مسار متوقّع لا كخطوة منفصلة عن السياق العام. ومن هنا يتعامل "الحزب" مع المرحلة باعتبار أنّ إسرائيل تبحث عن ردّ مباشر يتيح لها فتح باب عملية عسكرية أوسع، لذلك يصرّ على تفويت الفرصة ومنع "تل أبيب" من التحكّم بإيقاع الميدان، خصوصاً أنّ أي ردّ خارج سقف الحكومة يمنحها الذريعة التي تعمل على انتزاعها.

في موازاة ذلك، تزامن العدوان على الضاحية مع تحرّكات إقليمية بدأت تأخذ طابعاً أكثر جدّية خلال الأسابيع الماضية، ما جعل التطوّر اللبناني جزءاً من نقاش أوسع يتجاوز الحسابات الداخلية. وفي هذا الإطار تشير المصادر إلى أن إيران والسعودية تديران قناة تواصل واسعة تبحث في سبل كبح التصعيد على أكثر من ساحة، ويحتلّ لبنان موقعاً مركزياً داخل هذه المحادثات باعتباره نقطة التوازن الأكثر حساسية في المشهد الإقليمي. ومن داخل هذا المسار تعالج الرياض وطهران الملف من زاوية منع الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، وتعملان على بلورة مبادرة قادرة على احتواء الضغوط المتراكمة على الحدود وفي الداخل اللبناني. وبحسب المصادر، فإنّ اكتمال بعض العناصر المطروحة قد يدفع بشخصية لبنانية شيعية وازنة إلى زيارة المملكة العربية السعودية في سياق تثبيت مسار يربط الأمن الإقليمي بتهدئة الساحة اللبنانية.

لكن هذا المسار الإقليمي يصطدم مباشرة بحسابات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يتحرّك وفق رؤية مختلفة تماماً. فهو لا يُظهر أي استعداد لفتح باب التهدئة مع بيروت، ويواصل توسيع هامش الاشتباك من غزة إلى سوريا وصولاً إلى الساحة اليمنية، فيما يبقي الملف الإيراني في قلب أولوياته الاستراتيجية. ومن هنا يتعامل نتنياهو مع التصعيد كفرصة سياسية قبل أن تكون عسكرية، إذ يسعى إلى دفع "حزب الله" نحو ردّ مباشر يمنحه فرصة الانتقال إلى مرحلة أوسع من المواجهة مع لبنان، رغم إدراكه أن هذا الخيار لا ينسجم مع مقاربات أطراف إقليمية تعمل على تثبيت التهدئة في المنطقة.

في المحصلة لم يعد النقاش محصوراً بضربة عسكرية أو بردّ محتمل، بل بالجهة التي تسعى إلى رسم شكل المرحلة المقبلة. ففي الوقت الذي تندفع فيه إسرائيل لتحديد الإيقاع بالقوة، يربط "حزب الله" حساباته بقرار الحكومة، فيما تتحرّك العواصم الإقليمية للحفاظ على هامش تهدئة يمنع تفلّت الميدان. وتلفت المصادر أنّ ما سيحسم الاتجاه، لا يرتبط بالمواجهة العسكرية وحسب، بل بقدرة الدولة اللبنانية على تثبيت موقعها في قلب المشهد وعدم ترك مسار المرحلة يتشكّل خارج حدودها.

 

أخبار ذات صلة

0 تعليق