من أبو سلة إلى "بارون المخدرات".. "لبنان24" يكشف أهم امبراطوريات يحاربها الجيش

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
بعد سنوات من المطاردة والظهور العلني متحدّياً الدولة، انتهت "رحلة فرار" نوح زعيتر مع فجر الخميس في كمين نفّذته مخابرات الجيش في البقاع، في محيط بلدة الكنيسة – في قضاء بعلبك، من دون إطلاق رصاصة واحدة، وفق ما تؤكده المعطيات الميدانية. زعيتر، الذي يُوصف بأنّه من أخطر تجار المخدرات في لبنان، كان اسمه ملازماً لاقتصاد التهريب في البقاع، ومحوراً أساسياً في الروايات الأمنية والدولية عن صناعة الكبتاغون والحشيش في لبنان والمنطقة.

Advertisement


هذا التوقيف لا يأتي من فراغ. الرجل محكوم غيابياً بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة في قضايا مخدرات، وصدر بحقه حكم بالإعدام عام 2024 على خلفية إطلاق النار على دورية للجيش ومقتل أحد العسكريين، قبل أن تُدرجه الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي على لوائح العقوبات بسبب دوره في تصنيع وتهريب الكبتاغون. على مدى سنوات، تحوّل زعيتر إلى رمز لتقاطع تجارة المخدرات مع السلاح والتهريب عبر الحدود، وإلى عنوان لعجز الدولة عن توقيف أبرز المطلوبين لديها. لكن ما جرى، بحسب مصدر أمني بارز تحدّث إلى "لبنان24"، ليس مجرد نجاح موضعي في إلقاء القبض على اسم كبير. المصدر يلخّص المشهد بجملة واحدة: "القرار نهائي وهو إنهاء سلطة عصابات المخدرات في لبنان". ويضيف أن توقيف نوح زعيتر هو حلقة في مسار متدرّج بدأ قبل أشهر، استهدف البنية الكاملة لصناعة المخدرات، من المعامل المنتشرة في الجرود والأودية، إلى خطوط التهريب والمعابر غير الشرعية، وصولاً إلى سقوط الحماية عن الأسماء التي كانت تُعتبر"ممنوع الوصول إليها".

وفق المعلومات الأمنية التي حصل عليها "لبنان24"، جاءت عملية توقيف زعيتر بعد سلسلة ضربات نوعية طالت معامل تصنيع الحبوب والحشيش في عمق البقاع. فقد تم تفكيك معامل في منطقة حرف السماقة في قضاء الهرمل، وأخرى في اليمونة – قضاء بعلبك، ومعامل تابعة لعائلات كبيرة في بوداي، إضافة إلى معامل مرتبطة بحسن عباس جعفر و"أبو سلة" في حي الشراونة، ومعامل في دار الواسعة. أمّا معمل نوح زعيتر في منطقة الكنيسة، فيشير المصدر إلى أنه ضُرب قبل حوالى شهر من توقيفه، في إطار سياسة تجفيف موارد الشبكات قبل اصطياد رؤوسها.

يشرح المصدر الأمني أن "العملية الأكبر حتى الآن كانت ضد شبكة أبو سلة، لكنّ ضربة نوح زعيتر تُعتبر، وفق التقديرات العسكرية، ثاني أكبر عملية موجّهة لعصابات المخدرات في لبنان"، موضحاً أن الرسالة هذه المرة تتجاوز الجانب العملياتي إلى البعد السياسي والأمني: "لم يعد هناك غطاء على المطلوبين كما كان في السابق، والأسماء المعروفة – من نوح زعيتر إلى أبو سلة، وصولاً إلى حسين جعفر الذي قُتل قبل يومين – باتت في مرمى الاستهداف المباشر".

في موازاة ذلك، تواكب الضربات الداخلية تحوّلات على مستوى الحدود. المصدر نفسه يكشف أن "معابر أُقفلت بالكامل، فيما أصبحت معابر أخرى أكثر نشاطاً وتحت مراقبة لصيقة"، في إشارة إلى سباق خفي بين توقيف الشبكات وتكيّفها مع مسارات جديدة. هذا الواقع يطرح سؤالاً أساسياً: هل نحن أمام حملة ظرفية لتسجيل إنجاز، أم أمام مسار فعلي لإعادة الإمساك بحدود البلد ومسالك التهريب التي غذّت إمبراطورية المخدرات لسنوات طويلة؟

دلالات توقيف زعيتر لا تنفصل عن الضغط الدولي على لبنان في ملف الكبتاغون. تقارير غربية عديدة ربطت بين مصانع الحبوب المخدّرة في سوريا ولبنان وشبكات تهريب تنشط باتجاه دول الخليج وأوروبا، مع اتهامات متكررة بوجود تغطية من أطراف نافذة لهذه التجارة. إدراج زعيتر على لوائح العقوبات، إلى جانب أسماء سورية ولبنانية أخرى، لم يكن سوى جزء من محاولة "تجريم" هذا الاقتصاد أمام المجتمع الدولي، ودفع الدولة اللبنانية إلى التحرك تحت طائلة الاتهام بالتواطؤ أو التقصير.

في البقاع، شكّل نوح زعيتر لعدة سنوات نموذج "زعيم التهريب": مسلحون، سيارات رباعية الدفع، جرود مفتوحة، حضور قوي على وسائل التواصل الاجتماعي، وصورة "القبضاي" الذي يقدّم نفسه كحامٍ للفقراء في مقابل دولة غائبة. لكن خلف هذه الصورة، تمدّدت شبكة معقّدة من تصنيع وترويج المخدرات، وصراعات مع عائلات وعشائر منافسة، واشتباكات متعددة مع الجيش والقوى الأمنية. توقيفه اليوم يطرح احتمال بدء تفكيك هذا النموذج، لا شخصاً فقط، إذا ما استمرّت الضربات وطالت الذراع المالية وغسل الأموال وشبكات التوزيع، لا المصانع الحدودية وحدها.

مع ذلك، يبقى التحدّي الأهم في "اليوم التالي" لاعتقال نوح زعيتر. فالعصابات التي راكمت ثروات هائلة عبر التهريب لن تختفي بين ليلة وضحاها، كما أن الفراغ الذي يخلّفه سقوط اسم كبير غالباً ما يغري وجوهاً جديدة بالصعود. هنا تحديداً، يصبح استمرار الضغط الأمني والقضائي، بالتوازي مع معالجة اجتماعية واقتصادية لجذور الظاهرة في المناطق المهمّشة، شرطاً أساسياً كي لا تتحوّل العملية إلى "مشهدية" عابرة. فبين صورة نوح زعيتر مكبّلاً في سيارة الجيش، ومشهد الجرود التي احتضنت لسنوات معامل الحبوب والحشيش، يقف اللبنانيون أمام سؤال أساسي: هل بدأت الدولة فعلاً تقصّ أجنحة اقتصاد المخدرات الذي تشعّب في جسدها، أم أننا أمام حلقة جديدة في مسلسل المداهمات التي تهدأ ثم تعود؟ توقيف "بارون" البقاع خطوة كبيرة بلا شك، لكن الامتحان الحقيقي هو أن يتحوّل هذا المشهد إلى نقطة تحوّل، لا إلى صورة تضاف إلى أرشيف إنجازات ظرفية في بلد اعتاد أن يرى المطلوبين أكبر من الدولة… قبل أن تثبت الأحداث عكس ذلك.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق