في لحظة سياسية مشحونة بالضغوط الخارجية والتجاذبات الداخلية، جاءت تصريحات الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم الأخيرة لتشكّل فصلًا جديدًا من المواجهة الكلامية والسياسية المفتوحة، سواء مع الولايات المتحدة أو مع خصوم الحزب في الداخل، حيث بدت أشبه برسالة مزدوجة الاتجاه إلى الداخل والخارج على حدّ سواء، توازن بين تكرار التمسّك بالسلاح، ورفض أي وصاية أميركية على القرار اللبناني.
فقد أعاد الشيخ نعيم قاسم في خطابه رسم حدود موقف الحزب من الضغوط الأميركية المستجدة، معتبرًا أن واشنطن تحاول أن "تأخذ بالسياسة ما لم تستطع إسرائيل أن تأخذه بالحرب"، في إشارة واضحة إلى الجهود الأميركية الرامية إلى إعادة فتح ملف سلاح الحزب تحت غطاء التسويات الأمنية والاقتصادية، وردّ مباشر على التهديدات التي أطلقها المبعوث الأميركي إلى لبنان وسوريا، توم براك، الذي حذر من تحرّك إسرائيلي وشيك.
بهذا المعنى، وضع الشيخ قاسم المواجهة في إطارها الأوسع، أي استمرار الصراع مع المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي الذي يسعى، بحسب وصفه، إلى "إعدام قوة لبنان وتحويله إلى جزء من إسرائيل الكبرى"، فكيف تُفهَم تصريحاته هذه، التي وُصفت بـ"التصعيدية" في السياق العام، وهل تنذر بانتهاء مرحلة "الصبر الاستراتيجي" التي اعتمدها الحزب منذ اتفاق وقف إطلاق النار، رغم الخروقات الإسرائيلية التي لم تتوقف يومًا؟!
تصعيد في اللهجة
في توقيت يترافق مع انسداد الأفق السياسي، بعد إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري سقوط مقترح التفاوض بين لبنان وإسرائيل، وبالتزامن مع عودة المسيّرات الإسرائيلية إلى قلب العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، التي باتت معها الرسائل المتبادلة في أوجها، جاءت مواقف الشيخ نعيم قاسم لتؤكد أن الحزب لا يرى في الضغط السياسي والاقتصادي بديلاً عن الحرب التي فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها من خلالها، وفق وصفه.
وإذا كان صحيحًا أنّ حديث قاسم عن السلاح جاء "مكرّرًا" من حيث الشكل، إذ أعاد التأكيد على أنّ سلاح "حزب الله" هو جزء من قوة لبنان، في إشارة إلى عدم جواز التخلّي عنه، فإنّ العارفين يعتبرون أنّه أراد بهذا الكلام تثبيت قاعدة الردّ على كل الضغوط المتصاعدة حول "نزع السلاح"، داخليًا وخارجيًا، وقد حرص على التأكيد أن هذا السلاح لم يعد مجرد عنوان عسكري، بل أصبح مكوّنًا من مكوّنات الكيان اللبناني في موازين الردع الإقليمية.
اللافت في مقاربة "حزب الله" أنّ تصعيد اللهجة لم يكن موجّهًا فقط نحو الخارج، بل تعدّاه إلى الداخل اللبناني، حيث حمّل قاسم الحكومة مسؤولية "حماية السيادة" واتهم بعض مؤسساتها بالتصرّف كملحقات للقرار الأميركي. وفي هذا السياق، عبّر هجومه على وزير العدل عادل نصّار وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، بقوله إنهما "ليسا موظفين عند أميركا"، عن استياء الحزب من مسار بات يُنظر إليه داخل بيئته على أنه امتداد لضغوط واشنطن.
مؤشرات ما قبل الانفجار الكبير؟
وفيما يتوقف العارفون عند ما يصفونها باللهجة غير المألوفة التي استخدمها الشيخ قاسم في السياق الداخلي، وهو الذي حرص منذ تسلّمه الأمانة العامة للحزب، على عدم إحداث أيّ شرخ داخليّ، يلفتون إلى أنّ القراءة الواقعية لمواقفه يجب أن تنطلق أيضًا من السياق المشحون الذي تأتي فيه، إقليميًا وداخليًا على حدّ سواء، وسط ارتفاع وتيرة الضغوط الأميركية والإسرائيلية على لبنان، وآخر تجلياتها تصريحات الموفد الأميركي توم براك.
ويدرج العارفون ضمن الضغوط أيضًا المناورات العسكرية لتل أبيب على حدودها مع لبنان، وتحليق المسيّرات فوق العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، ما يشي بمناخ من "الحرب النفسية" المستمرّة، ولكن أيضًا يعيد التذكير بالمراحل التي سبقت "حرب الشهرين"، حيث كانت المؤشرات تتجمع ببطء قبل الانفجار الكبير، علمًا أنّ كلّ التحليلات حينها كانت تتقاطع على أنّ المواجهة الكبرى غير واردة، ليتبيّن في نهاية المطاف أنّ إسرائيل كانت تخطّط لها بعناية.
ببدو خطاب الشيخ قاسم بمثابة ترجمة سياسية لرفض الحزب الانصياع للضغوط التي تُمارس تحت عنوان التسويات أو المفاوضات المرحلية، علمًا أنّ إشارته المتكرّرة إلى "تدخل أميركي سيئ" في المنطقة، تندرج في سياق مقاربة الحزب لدور واشنطن "غير البريء"، وفق منظوره، خصوصًا بمحاولة تحقيق الأهداف التي لم تحققها إسرائيل في الميدان، من دون تقديم أيّ ضمانات في المقابل، لالتزامها على الأقل بالتفاهمات التي تبرمها.
في المحصّلة، لا يمكن قراءة خطاب الشيخ نعيم قاسم الأخير إلا كجزء من مشهد لبناني ـ إقليمي متشابك، يُعاد فيه ترتيب قواعد الاشتباك السياسي والعسكري. فبين رفض "حزب الله" الوصاية الخارجية وتمسّكه بسلاحه، وتصاعد الضغوط الأميركية والإسرائيلية لنزع هذا السلاح، يبقى لبنان عالقًا في منطقة رمادية، تتداخل فيها الرسائل بالطائرات المسيّرة والتصريحات التصعيدية، وسط خشية من تحوّل التصعيد السياسي إلى انفجار ميداني يعيد البلاد إلى قلب العاصفة من جديد.
Advertisement
فقد أعاد الشيخ نعيم قاسم في خطابه رسم حدود موقف الحزب من الضغوط الأميركية المستجدة، معتبرًا أن واشنطن تحاول أن "تأخذ بالسياسة ما لم تستطع إسرائيل أن تأخذه بالحرب"، في إشارة واضحة إلى الجهود الأميركية الرامية إلى إعادة فتح ملف سلاح الحزب تحت غطاء التسويات الأمنية والاقتصادية، وردّ مباشر على التهديدات التي أطلقها المبعوث الأميركي إلى لبنان وسوريا، توم براك، الذي حذر من تحرّك إسرائيلي وشيك.
بهذا المعنى، وضع الشيخ قاسم المواجهة في إطارها الأوسع، أي استمرار الصراع مع المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي الذي يسعى، بحسب وصفه، إلى "إعدام قوة لبنان وتحويله إلى جزء من إسرائيل الكبرى"، فكيف تُفهَم تصريحاته هذه، التي وُصفت بـ"التصعيدية" في السياق العام، وهل تنذر بانتهاء مرحلة "الصبر الاستراتيجي" التي اعتمدها الحزب منذ اتفاق وقف إطلاق النار، رغم الخروقات الإسرائيلية التي لم تتوقف يومًا؟!
تصعيد في اللهجة
في توقيت يترافق مع انسداد الأفق السياسي، بعد إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري سقوط مقترح التفاوض بين لبنان وإسرائيل، وبالتزامن مع عودة المسيّرات الإسرائيلية إلى قلب العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، التي باتت معها الرسائل المتبادلة في أوجها، جاءت مواقف الشيخ نعيم قاسم لتؤكد أن الحزب لا يرى في الضغط السياسي والاقتصادي بديلاً عن الحرب التي فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها من خلالها، وفق وصفه.
وإذا كان صحيحًا أنّ حديث قاسم عن السلاح جاء "مكرّرًا" من حيث الشكل، إذ أعاد التأكيد على أنّ سلاح "حزب الله" هو جزء من قوة لبنان، في إشارة إلى عدم جواز التخلّي عنه، فإنّ العارفين يعتبرون أنّه أراد بهذا الكلام تثبيت قاعدة الردّ على كل الضغوط المتصاعدة حول "نزع السلاح"، داخليًا وخارجيًا، وقد حرص على التأكيد أن هذا السلاح لم يعد مجرد عنوان عسكري، بل أصبح مكوّنًا من مكوّنات الكيان اللبناني في موازين الردع الإقليمية.
اللافت في مقاربة "حزب الله" أنّ تصعيد اللهجة لم يكن موجّهًا فقط نحو الخارج، بل تعدّاه إلى الداخل اللبناني، حيث حمّل قاسم الحكومة مسؤولية "حماية السيادة" واتهم بعض مؤسساتها بالتصرّف كملحقات للقرار الأميركي. وفي هذا السياق، عبّر هجومه على وزير العدل عادل نصّار وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، بقوله إنهما "ليسا موظفين عند أميركا"، عن استياء الحزب من مسار بات يُنظر إليه داخل بيئته على أنه امتداد لضغوط واشنطن.
مؤشرات ما قبل الانفجار الكبير؟
وفيما يتوقف العارفون عند ما يصفونها باللهجة غير المألوفة التي استخدمها الشيخ قاسم في السياق الداخلي، وهو الذي حرص منذ تسلّمه الأمانة العامة للحزب، على عدم إحداث أيّ شرخ داخليّ، يلفتون إلى أنّ القراءة الواقعية لمواقفه يجب أن تنطلق أيضًا من السياق المشحون الذي تأتي فيه، إقليميًا وداخليًا على حدّ سواء، وسط ارتفاع وتيرة الضغوط الأميركية والإسرائيلية على لبنان، وآخر تجلياتها تصريحات الموفد الأميركي توم براك.
ويدرج العارفون ضمن الضغوط أيضًا المناورات العسكرية لتل أبيب على حدودها مع لبنان، وتحليق المسيّرات فوق العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، ما يشي بمناخ من "الحرب النفسية" المستمرّة، ولكن أيضًا يعيد التذكير بالمراحل التي سبقت "حرب الشهرين"، حيث كانت المؤشرات تتجمع ببطء قبل الانفجار الكبير، علمًا أنّ كلّ التحليلات حينها كانت تتقاطع على أنّ المواجهة الكبرى غير واردة، ليتبيّن في نهاية المطاف أنّ إسرائيل كانت تخطّط لها بعناية.
ببدو خطاب الشيخ قاسم بمثابة ترجمة سياسية لرفض الحزب الانصياع للضغوط التي تُمارس تحت عنوان التسويات أو المفاوضات المرحلية، علمًا أنّ إشارته المتكرّرة إلى "تدخل أميركي سيئ" في المنطقة، تندرج في سياق مقاربة الحزب لدور واشنطن "غير البريء"، وفق منظوره، خصوصًا بمحاولة تحقيق الأهداف التي لم تحققها إسرائيل في الميدان، من دون تقديم أيّ ضمانات في المقابل، لالتزامها على الأقل بالتفاهمات التي تبرمها.
في المحصّلة، لا يمكن قراءة خطاب الشيخ نعيم قاسم الأخير إلا كجزء من مشهد لبناني ـ إقليمي متشابك، يُعاد فيه ترتيب قواعد الاشتباك السياسي والعسكري. فبين رفض "حزب الله" الوصاية الخارجية وتمسّكه بسلاحه، وتصاعد الضغوط الأميركية والإسرائيلية لنزع هذا السلاح، يبقى لبنان عالقًا في منطقة رمادية، تتداخل فيها الرسائل بالطائرات المسيّرة والتصريحات التصعيدية، وسط خشية من تحوّل التصعيد السياسي إلى انفجار ميداني يعيد البلاد إلى قلب العاصفة من جديد.
0 تعليق