هل العودة إلى اتفاق الهدنة هي الحلّ؟

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في المشهد الدولي، وبالأخص الأميركي، بعد اتفاق شرم الشيخ، تسود قناعة عربية ودولية بأن لا عودة إلى الوراء بعد اليوم، وأن غزة بعد 13 تشرين الأول لن تكون كما كانت على مدى السنتين الماضيتين. فعدم العودة إلى الوراء بالمفهوم الأميركي لا يقتصر مفعوله على القطاع فقط، بل يتعداه ليصل إلى لبنان في مرحلة لاحقة، وسوريا تباعًا بعدما قطعت المفاوضات السورية الإسرائيلية شوطًا متقدمًا.

Advertisement


وقد أتى حديث رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون عن الاستعداد المشروط لدخول لبنان في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لضمان الاستقرار فيه، على أن يبدأ هذا التفاوض بخطوات لا بدّ منها في البداية، وتتمثّل بانسحاب إسرائيلي تام من الأراضي، التي لا تزال محتلة في الجنوب، ووقف خرق اتفاق وقف النار، وإعادة الأسرى اللبنانيين.

إلا أن السؤال المشروع الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان من الممكن العودة إلى اتفاق الهدنة لعام 1949 بين لبنان وإسرائيل بدلًا من التفتيش عن حلول قد لا يتلاءم البحث فيها حاليًا مع وضعية لبنان الداخلية المعقدة والمركبة؟

وجوابًا عن هذا السؤال ترى أوساط سياسية أنه من الناحية القانونية، لا شيء يمنع ذلك، إذ إن الاتفاق المذكور لم يُلغَ رسميًا وما زال قائمًا من حيث المبدأ تحت مظلة الأمم المتحدة، وهو يشكّل في الواقع المرجعية الوحيدة التي تحدد الحدود الدولية بين البلدين في غياب أي اتفاق سلام أو اعتراف متبادل.

أما سياسيًا، فإن العودة إلى هذا الاتفاق تبدو شبه مستحيلة في الظروف الراهنة، إذ إن لبنان ما زال يعتبر إسرائيل عدوًا، فيما ترفض الأخيرة الالتزام بأي من بنود الاتفاق الذي انتهكته مرارًا عبر احتلالات واعتداءات متكررة.

كما أن المشهد الداخلي اللبناني، بوجود قوى مقاومة تمتلك سلاحًا ودورًا ميدانيًا، يجعل أي محاولة لإحياء اتفاق الهدنة محكومة بتوازنات داخلية وإقليمية معقدة، لا بمجرد رغبة سياسية.

وعليه، فإن أي تحرك تفاوضي محتمل قد يتخذ شكل مفاوضات غير مباشرة وبرعاية أميركية، على غرار ما حصل في اتفاق الترسيم البحري عام 2022، مستندة كأساس صالح إلى اتفاق الهدنة الذي يُعتبر جزءًا من التاريخ يمكن أن يشكّل  الإطار القابل للتفعيل في الواقع الراهن.

إلاّ أن فكرة إعادة إحياء اتفاق الهدنة ليست بنت ساعتها. وللتذكير فإن الرئيس نجيب ميقاتي هو أول من أعاد طرح هذه الفكرة يوم كانت إسرائيل تمعن في انتهاك السيادة اللبنانية في حربها الأخيرة ضد لبنان مستهدفة قيادات الصف الأول من القيادة العسكرية لـ "حزب الله"، وقبل التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني من العام الماضي.

أمّا لماذا أعاد الرئيس ميقاتي إعادة طرح الفكرة في هذا التوقيت بالذات؟

ففي رأي أكثر من سياسي عايش تلك الفترة العصيبة من تاريخ لبنان في صراعه مع إسرائيل يؤكدون أن دعوة الرئيس ميقاتي لم تكن مجرد طرحٍ نظري، بل موقف سياسي مدروس أراد من خلاله التأكيد على التزام لبنان بالشرعية الدولية ورفضه الانزلاق إلى منطق الحرب المفتوحة، وهو حاول في ضوء الاتصالات الديبلوماسية، التي أجراها في الخارج وخلال جولاته العربية والدولية أن يقدّم مخرجًا واقعيًا يحفظ للبنان حقه في الدفاع عن أرضه ضمن إطار قانوني دولي، من دون أن يعني ذلك أي شكل من أشكال التطبيع أو التنازل عن الثوابت الوطنية.

لقد أراد رئيس حكومة تصريف الأعمال القول بأن لبنان يمكنه أن يعود إلى اتفاق الهدنة كإطار قانوني يضمن الاستقرار ويُحمّل إسرائيل مسؤولية خرقه المتكرر، بدل أن يبقى عالقًا بين خيار الحرب وخيار الاستسلام. وفي الوقت نفسه، شكّلت هذه الدعوة رسالة إلى المجتمع الدولي بأن الدولة اللبنانية هي المرجع الوحيد في تقرير مصير الحرب والسلم، وأنها تسعى لإعادة تثبيت قواعد الهدوء على الحدود الجنوبية بغطاء من الأمم المتحدة، في مواجهة محاولات جرّ لبنان إلى مواجهة إقليمية لا يريدها.

من هنا، جاءت مبادرة ميقاتي كمحاولة لإعادة الاعتبار إلى الدولة ومؤسساتها، وإلى مفهوم السيادة المبني على القانون لا على فائض القوة، في لحظة كان فيها لبنان بأمسّ الحاجة إلى صوتٍ عاقل يذكّره بأن اتفاق الهدنة، وإن كان قديمًا، لا يزال يشكل المخرج الواقعي الوحيد من منطق الفوضى العسكرية والسياسية، والدخول في محور الحلّ المنطقي شبه الوحيد، والذي لا يزال متاحًا حتى الآن.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق