في خطوة وُصفت بأنها تحول اقتصادي وسيادي غير مسبوق في واحدة من أغنى دول العالم باليورانيوم، أعلنت حكومة النيجر اليوم الأربعاء عزمها طرح إنتاج منجم "سومير" من اليورانيوم مباشرة في السوق الدولية، بعيدًا عن الاحتكار الفرنسي الذي استمر لعقود طويلة عبر شركة "أورانو" الفرنسية، التي كانت تُعرف سابقًا باسم "أريفا".
وجرى بث إعلان الحكومة عبر التلفزيون الرسمي، ليشكل رسالة سياسية واضحة تعكس توجه السلطات في نيامي منذ تغيير القيادة العام الماضي نحو تعزيز السيادة على الموارد الطبيعية، وتقليل الاعتماد على الشركاء التقليديين، وفي مقدمتهم فرنسا.
وقالت وزارة المناجم والطاقة في بيانها إن القرار يأتي استجابة لـ"حق الشعب النيجري في الاستفادة المباشرة من ثرواته الطبيعية"، مؤكدة أن اليورانيوم — الذي يشكل أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني — سيكون منذ الآن "متاحًا للبيع بأي وجهة دولية، وفقًا لمقتضيات السوق والشفافية التجارية".
ويُعد منجم "سومير" أحد أكبر المناجم النشطة في إفريقيا، ويقع في منطقة أرليت شمالي البلاد، وهو مسؤول عن جزء كبير من واردات اليورانيوم التي اعتمدت عليها فرنسا تاريخيًا لتشغيل جزء من محطاتها النووية التي توفر نحو 70% من احتياجاتها من الكهرباء. وكانت نيامي تشتكي منذ سنوات من ضعف العائد المالي مقارنة بالقيمة الحقيقية للموارد المستخرجة.
ويرى مراقبون أن هذا القرار يمثل نقطة تحول في معادلة الطاقة الأوروبية، خاصة في ظل بحث الاتحاد الأوروبي عن بدائل آمنة ومستقرة لمصادر الطاقة بعد الاضطرابات الجيوسياسية التي طالت أسواق الغاز والنفط خلال الأعوام الأخيرة، خصوصًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد التوترات الدولية.
كما يفتح القرار الباب أمام قوى دولية أخرى، مثل الصين وروسيا والهند، لتعزيز حضورها في قطاع التعدين النيجري، مستغلة التحولات الجيوسياسية في منطقة الساحل وتراجع النفوذ الغربي، خصوصًا بعد انسحاب القوات الفرنسية من البلاد وتصاعد التوتر الدبلوماسي بين باريس ونيامي.
وفي هذا السياق، أكد محللون اقتصاديون أن النيجر تسعى لاستعادة التوازن في علاقاتها الاقتصادية، من خلال تنويع الشركاء ورفع حصة الدولة من عوائد التعدين. كما أن البيع عبر الأسواق العالمية قد يضمن سعرًا أكثر عدلًا، خصوصًا مع ارتفاع الطلب العالمي على اليورانيوم لاستخدامه في الصناعات النووية ومشروعات الطاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية.
ومن المتوقع أن يواجه القرار ردود فعل قوية من فرنسا والاتحاد الأوروبي، اللذين يعتمدان على الإمدادات النيجيرية في إطار استراتيجية أمن الطاقة، وسط مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى زيادة التكاليف وتعميق المنافسة الدولية على الموارد النووية.
في المقابل، تستعد حكومة النيجر لإعادة هيكلة منظومة التعدين وتعزيز الرقابة على الإنتاج والتصدير، بما يضمن تحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة وتحسين حياة المواطنين في واحدة من أفقر دول العالم رغم غناها بالثروات الطبيعية.
ويترقب المستثمرون الدوليون الخطوات المقبلة لنيامي، خاصة تفاصيل آليات التسعير والعقود الجديدة، وتوجهات الشراكات في قطاع التعدين، في ظل دخول اليورانيوم مرحلة استراتيجية جديدة تعيد رسم خريطة النفوذ الاقتصادي في منطقة الساحل الإفريقي.












0 تعليق