حظي الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والقاضي بالشروع في إجراءات تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن ولبنان كـ«منظمات إرهابية أجنبية»، باهتمام واسع وتساؤلات عديدة حول انعكاسه على أوضاع التنظيم الدولي للجماعة، وعلى حضورها السياسي والتنظيمي في المنطقة، فبين من يراه تحوّلًا نوعيًا في مقاربة واشنطن لملف الإخوان، ومن يعتبره خطوة رمزية أكثر منها حاسمة، تبدو شبكة الجماعة العابرة للحدود في مواجهة اختبار جديد.
تحوّل في نظرة واشنطن
يرى محللون مختصون في شؤون الجماعات المتطرفة أن خطوة ترامب تمثل انتقالًا من مرحلة الجدل القانوني والسياسي حول طبيعة جماعة الإخوان، إلى مرحلة الخطوات التنفيذية التي تستهدف فروعًا بعينها ثبت ضلوعها في أنشطة عنيفة أو دعم جماعات مسلحة في الشرق الأوسط.
وبحسب تقديرهم، فإن الإدارة الأميركية تبعث برسالة واضحة مفادها أن الإخوان باتوا يُنظر إليهم كـ«شبكة ممتدة تتجاوز الحدود الوطنية»، لا مجرد تنظيم محلي في هذا البلد أو ذاك، وهو ما يفتح الباب أمام موجة أوسع من التضييق القانوني والسياسي على أفرع الجماعة المختلفة.
البيت الأبيض برر استهداف الفروع في لبنان والأردن ومصر بالقول إن هذه الكيانات «تشرك نفسها أو تسهل وتدعم حملات عنف وزعزعة استقرار تضر بمناطقها وبمواطني الولايات المتحدة وبمصالحها».
تداعيات مباشرة على فروع مصر والأردن ولبنان
الباحث المصري في الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية هشام النجار يرى أن أهمية القرار تعود إلى كونه الأول من نوعه أميركيًا في هذا السياق، ما يعني أن طريقة تعامل واشنطن مع الجماعة «تغيّرت جذريًا» مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمن، حين كانت هناك علاقات جيدة مع بعض أفرع الإخوان والتعامل معها بوصفها كيانًا سياسيًا يمكن دعمه في الحكم.
النجار يعتبر أن القرار يفتح مرحلة جديدة في عمر تنظيم «شبه منهار وملاحق أمنيًا»، وسيضيف مزيدًا من الأعباء والخسائر على الجماعة، ويعمق أزماتها الأمنية والسياسية والمالية، كما يمهد لاتخاذ إجراءات أشد داخل الولايات المتحدة وأوروبا تجاه أنشطة الإخوان.
أما الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة ماهر فرغلي، فيوضح أن القرار الأميركي يكشف بوضوح أن ترامب اختار البدء بمواجهة جماعة الإخوان عبر الفروع «الأكثر انخراطًا في الصراع مع إسرائيل»، ويشير إلى أن التأثير المباشر سيكون أكبر على فرع الجماعة في الأردن، نظرًا لاعتماده على قاعدة فلسطينية عريضة، وارتباط عموده الفقري تاريخيًا بحركة حماس، ما يجعل استهدافه أوسع وأعمق من فرعي لبنان ومصر.
في لبنان، يربط فرغلي إدراج «الجماعة الإسلامية» في مسار التصنيف بامتلاكها جناحًا مسلحًا هو «قوات الفجر»، وعملها خلال السنوات الأخيرة في إطار تنسيقي مباشر مع حزب الله، وهو ما يجعل إدراجها ضمن الكيانات الإرهابية، من وجهة النظر الأميركية، خطوة «منطقية ومتوقعة» بحكم نشاطها المسلح.
وفي مصر، يلفت فرغلي إلى أن التنظيم الفعلي للإخوان «لم يعد موجودًا داخل البلاد كما كان من قبل، بل يتحرك من الخارج»، وبالتالي فإن القرار يخدم القاهرة بشكل واضح لأنه يقيّد حركة القيادات المقيمة في الخارج، ويعرقل انتقال الأموال، ويحدّ من قدرة المؤسسات المرتبطة بالجماعة خارج مصر على العمل والتمويل والاجتماعات.
حدود التأثير على التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين
رغم ذلك، يعتقد “فرغلي” أن التأثير الأوسع سيظل محدودًا على «التنظيم الدولي» ما لم يمتد القرار ليشمل الهيكل العالمي للجماعة نفسه، باعتباره «العقل المركزي» الذي يدير الشبكة ويموّلها ويوجّه فروعها في مختلف الأقاليم. فالتنظيم الدولي، الذي تشكّل تاريخيًا عبر «قسم الاتصال بالعالم الإسلامي» منذ عهد حسن البنا، ثم تبلور في صورة مكتب إرشاد عالمي ومجلس شورى عالمي في ثمانينيات القرن الماضي، هو الذي يمنح الجماعة قدرتها على إعادة إنتاج ذاتها عبر القارات.
هذا الهيكل يضم ممثلين عن أفرع الإخوان في العالم، وتملك الجماعة المصرية فيه وزنًا وازنًا تاريخيًا، ما جعل القاهرة دائمًا مركزًا لنفوذ التنظيم الدولي، ومع أن الضربات التي تلقّتها الجماعة بعد 2013 أدت إلى انقسامات داخلية وتجاذبات بين «جبهات» متنافسة في لندن وإسطنبول وغيرها، فإن الشبكة لم تُفكَّك بالكامل، وما زالت قادرة على التحرك عبر واجهات متعددة.
من هنا، يذهب بعض المحللين إلى أن استهداف فروع محددة – مهما كانت أهميتها – لن يكون كافيًا لتفكيك التنظيم الدولي أو إنهاء قدرته على التكيّف، إلا إذا ترافق مع مسار قانوني وسياسي أشمل يطول البنية المركزية، ويلاحق مصادر التمويل، وبنى النفوذ الإعلامي والاقتصادي المرتبطة به.
خطوة متوقعة
من جانبه، يصف أحمد سلطان، الباحث في قضايا الأمن الإقليمي والإرهاب، القرار بأنه «غير مفاجئ بل متوقع»، ويربطه بتفاعل عوامل داخلية وخارجية؛ بينها تحولات السياسة الخارجية الأميركية واللحظة الإقليمية الراهنة وما تشهده من صراعات ممتدة بعد حرب غزة.
سلطان يذكر بأن جماعة الإخوان «لا وجود قانونيًا لها داخل الولايات المتحدة»، وبالتالي فإن حظر كيان غير مسجل لن يغيّر كثيرًا من الناحية الإجرائية الصرفة، حيث يعني الحظر قانونيًا تجميد الأصول المحتملة، ومنع الوجود القانوني، وملاحقة بعض القيادات أو منع دخولهم الأراضي الأميركية، إلا أن أهمية الأمر التنفيذي تكمن في كونه «بداية مسار من الإجراءات اللاحقة» قد ينتهي بإدراج الفروع المشار إليها رسميًا ضمن قوائم الإرهاب.
اختيار فروع مصر والأردن ولبنان لا يبدو مصادفة في تقدير سلطان؛ فباستثناء لبنان، هذه فروع محظورة أو مقيدة أصلًا في بلدانها، ما يجعل الخطوة الأميركية أقل تعقيدًا سياسيًا مع الحكومات المعنية. أما الفرع اللبناني، فقد جاء التركيز عليه بسبب نشاط «الجماعة الإسلامية» خلال أحداث «طوفان الأقصى»، ومشاركة كوادرها عبر «قوات الفجر» في محاولات لاختراق الحدود الإسرائيلية من جهة الجليل.
ويشير سلطان إلى أن الخطوة الحالية تلبي مطالب عدد من الدول العربية التي دفعت خلال السنوات الأخيرة نحو تبنّي موقف أميركي أكثر صرامة تجاه الإخوان، وهو ما يجعل القرار أيضًا حلقة ضمن شبكة أوسع من الضغوط الإقليمية والدولية على التنظيم.
في المقابل، يستبق التنظيم الدولي هذه التطورات بمحاولات للهروب من قرارات الحظر عبر تغيير واجهاته التنظيمية، وإنشاء كيانات بديلة تبدو ظاهريًا غير مرتبطة بالجماعة، والدفع بوجوه جديدة لا تحمل صفة «عضو في الإخوان» رسميًا لكنها تتحرك تحت سقف التوجيه ذاته، في محاولة للالتفاف على أي إجراءات قانونية جديدة.

















0 تعليق