تصاعدت وتيرة العنف في بوركينا فاسو إلى مستوى غير مسبوق خلال العامين الأخيرين، حيث تجاوزت الهجمات المسلحة قدرة الدولة على الاستجابة الفعالة.
ورغم محاولات المجلس العسكري الحاكم استعادة المبادرة، فإن تمدد الجماعات المتطرفة يحدث بوتيرة أسرع من قدرة الجيش على الانتشار.
هذا الوضع جعل مناطق بأكملها معزولة عن العاصمة، فيما تتعرض خطوط الإمداد العسكرية والمدنية لهجمات متكررة تعرقل وصول السلع والخدمات الأساسية، وتُظهر عجز الدولة عن حماية الطرق الحيوية التي تربط المدن الإقليمية.
تمدد جماعة نصرة الإسلام في المناطق الريفية
تسيطر ما تعرف ب «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» على مساحات ريفية واسعة، خصوصًا في الشمال والشرق، مستخدمة مزيجًا من الترهيب والتغلغل الاجتماعي لكسب النفوذ.
ففي القرى البعيدة، تعتمد الجماعة أسلوب الحماية مقابل الالتزام، حيث تعرض وقف الهجمات على السكان مقابل دفع الإتاوات والامتثال لأوامرها.
وقد أسهمت هذه السياسة في خلق منظومة موازية لمؤسسات الدولة، تُدير فيها الجماعة شؤون الحياة اليومية للسكان، من الفصل في النزاعات إلى تنظيم التجارة والتنقل.
ومع انسحاب القوات الحكومية من بعض المناطق بسبب نقص الإمدادات، يصبح الطريق ممهدًا أمام الجماعة لترسيخ سيطرة طويلة الأمد.
عوامل ساعدت على صعود الجماعات المسلحة
ساهمت مجموعة من العوامل البنيوية في تعزيز نفوذ الجماعات المسلحة، أبرزها تراجع دور الدولة في الأرياف لعقود طويلة، ما خلق فراغًا ملأته هذه الجماعات بسهولة.
الانقلابات المتتالية أدت أيضًا إلى ارتباك المشهد السياسي وإضعاف المؤسسات الأمنية، فضلًا عن خروج بعض الشركاء الدوليين الذين كانوا يقدمون تدريبًا ومعلومات استخباراتية أساسية.
وفي الوقت نفسه، توسعت الجماعات المسلحة في استغلال النزاعات العرقية بين المزارعين والرعاة، مقدمة نفسها كوسيط أو قوة منظمة قادرة على فرض العدل بالقوة، وهو ما استقطب قطاعات من الشباب الذين يشعرون بالتهميش.
هل السقوط الكامل وارد؟
رغم اتساع رقعة نفوذ الجماعة، فإن سقوط بوركينا فاسو بالكامل ليس عملية سهلة، لأن السيطرة على العاصمة تتطلب قدرات لوجستية وعسكرية ضخمة لا تمتلكها الجماعات حتى الآن.
لكن الخطر الحقيقي يكمن في استمرار تفكك الدولة من الأطراف نحو المركز، بحيث تبقى العاصمة جزيرة معزولة وسط بحر من المناطق الخارجة عن السيطرة.
هذا السيناريو، الذي يشبه ما حدث في مالي سابقًا، يجعل إمكانية السقوط مسألة وقت إذا لم يحدث تدخل قوي يعيد التوازن.
ورغم أن الدولة لا تزال قادرة على الدفاع عن المراكز الحضرية الكبرى، فإن قدرتها على استعادة الأراضي التي فقدتها تظل محدودة للغاية في الوقت الحالي.
تداعيات محتملة على الداخل والإقليم
تداعيات استمرار هذا المسار خطيرة على مختلف المستويات.
فالنازحون داخليًا تجاوزوا الملايين في ظل انعدام الأمن، ما يفاقم الأزمة الإنسانية ويضغط على موارد المناطق الآمنة.
كما أن سيطرة الجماعات على طرق التجارة الحدودية مع مالي والنيجر تسبب خسائر اقتصادية ضخمة، وتعطل حركة البضائع بشكل مستمر.
وعلى المستوى الإقليمي، تخشى دول مثل غانا وتوغو وبنين من انتقال العنف إلى حدودها، بعدما بدأت هجمات صغيرة تظهر في بعض المناطق الجنوبية المتاخمة لبوركينا فاسو.
ويهدد هذا التمدد الخارجي بتحول الساحل إلى بؤرة صراع إقليمي أشمل، تتداخل فيه الجماعات مع شبكات التهريب والجريمة المنظمة.
طريق معقد نحو الاستقرار
استعادة الاستقرار تتطلب إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمعات المحلية، وهي مهمة معقدة نظرًا لتراكم سنوات من الإهمال.
الإصلاح يبدأ من تعزيز الوجود الحكومي في المناطق الريفية عبر توفير خدمات أساسية مثل التعليم والصحة والمياه، لأن غياب هذه الخدمات هو ما سمح للجماعات بملء الفراغ.
كما تحتاج الحكومة إلى إعادة هيكلة الجيش ودعم وحداته بالمعدات اللازمة لصد الهجمات، مع تدريب القوات على احترام حقوق المدنيين، لأن الانتهاكات الحكومية السابقة فاقمت حالة الغضب الشعبي.












0 تعليق