فى اليوم العالمى للطفل، الذى يوافق العشرين من نوفمبر من كل عام، تتجه أنظار العالم للاحتفاء بحقوق الأطفال وحمايتهم ورعاية مستقبلهم، بينما يجد أطفال اليمن أنفسهم فى واقع مختلف تمامًا؛ واقع عنوانه الألم والخوف والحرمان، بعد ستة وثلاثين عامًا من تصديق بلادهم على اتفاقية حقوق الطفل.
ففى الوقت الذى تعلن فيه دول العالم التزامها بمبادئ الاتفاقيات الدولية، يعيش أطفال اليمن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية فى العصر الحديث، ويقفون فى بؤرة صراع دامٍ جعلهم وقودًا لحرب لا يد لهم فيها، وتركهم ضحايا انتهاكات وجرائم متواصلة ترتكبها ميليشيات الحوثى بحق الطفولة، وتدفعهم إلى مستقبل مجهول تسيطر عليه المعاناة من كل اتجاه.
28 ألف واقعة اعتداء
فى هذا السياق؛ كشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، عبر آلية الرصد والتوثيق الميداني، أن الفترة الممتدة من ١ يناير ٢٠١٥ وحتى ٢٠ نوفمبر من العام الجارى شهدت ما مجموعه ٢٨٠٠٥ واقعة انتهاك واعتداء مباشر وغير مباشر على الأطفال فى اليمن.
هذه الأرقام الكبيرة تعكس حجم المأساة وحقيقتها، وتؤكد أن الأطفال يواجهون الموت يوميًا إما بالقتل المباشر أو نتيجة آثار الحرب التى حرمتهم من الغذاء والصحة والتعليم والمأوى، وجعلتهم عرضة لأقسى أشكال الانتهاكات التى تتعارض كليًا مع القوانين الدولية.
وخلال هذه السنوات، تسببت ميليشيات الحوثى فى مقتل ٤٥٩٥ طفلًا، بينهم ٥١٢ رضيعًا، قُتل ٥٦٠ منهم برصاص القناصة، فيما سقط ٧٨٤ طفلًا نتيجة المقذوفات العشوائية التى استهدفت الأحياء السكنية.
مخاطر الألغام
كما قتلت الألغام التى زرعتها الميليشيات فى القرى والمزارع والطرقات ٦٩٨ طفلًا، بينما راح ٤١٣ طفلًا ضحية المجازر الجماعية التى ارتكبتها الجماعة، ومعظمها فى محافظة تعز.
وإضافة إلى ذلك، قُتل ٤٣٢ طفلًا برصاص مباشر لقوات الحوثي، فيما تسبب رواجع المقذوفات فى مقتل ٧٤٨ طفلًا، ودهست الأطقم التابعة للميليشيات ٤٢ طفلًا، بينما توفى ٥١٤ طفلًا نتيجة الحصار وانعدام الأوكسجين والدواء وإغلاق المستشفيات والمرافق الصحية، وتوزعت بقية الوفيات على أسباب أخرى مرتبطة بالعمليات العسكرية.
أما الإصابات، فبحسب الشبكة اليمنية للحقوق والحريات بلغت ٦٣١٧ إصابة موثقة بحق الأطفال، بينها ٧٢٣ إصابة بأسلحة الألغام الأرضية، و٣٩٧٢ إصابة نتيجة القصف المتعمد للأحياء السكنية، بينما تنوعت الإصابات الأخرى بين الطلق النارى المباشر وأعمال القنص ومختلف الانتهاكات.
وخلّفت الألغام التى زرعتها ميليشيات الحوثى فى المناطق المدنية إعاقات دائمة لـ٣٤٧ طفلًا، ما يحرمهم من مستقبل طبيعى ويزيد أعباء أسرهم فى ظل ظروف اقتصادية منهارة.
الاختطاف والاختفاء القسري
على جانب آخر، ارتكبت الميليشيات ٣١٧ جريمة اختطاف وإخفاء قسرى للأطفال، منها ١٨٠ حالة اختطاف، و١٣٧ حالة إخفاء قسرى لا تزال الميليشيات ترفض الكشف عن مصير ضحاياها، بل وتستخدم بعضهم رهائن لإخضاع أسرهم.
وتشير الوثائق إلى أن ١١٧ طفلًا تعرضوا للتعذيب الجسدى والنفسى داخل معتقلات الحوثي، بينهم ٩ أطفال قضوا تحت التعذيب، فيما خضع ١٨ طفلًا لتعذيب مركب، وتم توثيق ٥٣ حالة اغتصاب لأطفال فى عدة محافظات، ما يشكل أحد أخطر الانتهاكات التى تهدد النسيج الاجتماعى وتُعد جرائم ضد الإنسانية.
كما تسببت الحرب فى تشريد وتهجير ٤٣٩٦٥ طفلًا، وتوسعت المأساة مع استمرار تجنيد الأطفال بوتيرة عالية، إذ تؤكد تقارير دولية أن الحوثيين جنّدوا أكثر من ٣٠ ألف طفل. وتوضح الشبكة أن فريقها الميدانى وثق مقتل ٦٧٢٨ طفلًا مجندًا تم تشييعهم علنًا عبر وسائل الإعلام الحوثية، بالإضافة إلى إصابة ٩٨٥١ طفلًا مجندًا فى جبهات القتال.
فيما تشير التقديرات إلى أن العدد الحقيقى للقتلى والمصابين من الأطفال المجندين أكبر بكثير، لأن الكثير منهم لا يُدفَنون فى مراسيم معلنة ولا تُنشر أسماؤهم.
وتتنوع الانتهاكات التى يتعرض لها الأطفال بين القتل والإصابة والاختطاف والتجنيد القسرى والحرمان من التعليم والغذاء والعلاج، نتيجة حصار الميليشيات واستخدامها المفرط للقوة وقصف الأحياء السكنية بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة بما فى ذلك مدافع الهاوزر وصواريخ الكاتيوشا وقذائف الدبابات، فضلًا عن زرع الألغام فى الطرقات العامة والمدارس والمزارع.
تجنيد الصغار
وبحسب شهادات أهالى قابلهم فريق الرصد، فإن الميليشيات تلجأ لأساليب متعددة فى تجنيد الصغار، تشمل غسل الأدمغة عبر الدورات الثقافية، والإغراءات بالوظائف والشهادات المدرسية، واستغلال الوضع الاقتصادى المتدهور، إضافة إلى فرض التجنيد الإجبارى على بعض القبائل.
وعلى الصعيد الإنساني، دفع انقلاب الميليشيات الحوثية أكثر من ثلاثة ملايين طفل إلى سوق العمل، نتيجة انهيار الوضع الاقتصادى وغياب الرعاية الاجتماعية، كما وثّق الفريق الميدانى وفاة ٣٧ طفلًا جوعًا خلال خمسة أشهر فقط فى المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات، فى وقت حُرم فيه ٤.٥ ملايين طفل من التعليم بعد تحويل المدارس والمنشآت التعليمية إلى ثكنات عسكرية ومراكز تدريب.
وتشير الأرقام والإحصاءات إلى أن ما تتعرض له الطفولة فى اليمن يُعد كارثة إنسانية مكتملة الأركان، تتضمن جرائم وانتهاكات جسيمة تستدعى تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولى والمنظمات الحقوقية، إذ تتعارض هذه الانتهاكات مع قواعد القانون الدولى الإنسانى واتفاقيات جنيف الأربع، ومع القوانين الوطنية واتفاقيات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، خاصة تلك المتعلقة بالانتهاكات الستة الجسيمة بحق الأطفال.
وفى ظل هذا الواقع المأساوي، يعيش أطفال اليمن وضعًا نفسيًا معقدًا نتيجة العنف المستمر والمشاهد اليومية للقتل والدمار، مما يهدد بظهور جيل كامل يعانى من اضطرابات نفسية واجتماعية عميقة.
تحذيرات حقوقية
ومن هذا المنطلق، حذرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات من أن اليمن على وشك فقدان جيل كامل إذا لم يتحرك الضمير العالمى لإيقاف جرائم ميليشيات الحوثي؛ مؤكدة أن الضغوط الدولية الحالية لم تحقق أى تغيير ملموس يمنح الأطفال أملًا بالعيش بسلام أسوة بغيرهم من أطفال العالم.
ويرى مراقبون أن الأرقام الموثقة فى هذا التقرير لا تُعد فقط شهادة على الانتهاكات التى يتعرض لها الأطفال فى اليمن، بل تمثل إنذارًا خطيرًا بضرورة تحرك المجتمع الدولى بشكل أكثر فاعلية ومسئولية.
كما يؤكدون أن استمرار الجرائم دون محاسبة يعزز ثقافة الإفلات من العقاب، ويُضاعف من معاناة الأطفال، ويهدد بفقدان جيل كامل، ما يضع المجتمع الدولى أمام اختبار حقيقى لمدى التزامه بحماية الأطفال كما تنص عليه الاتفاقيات الدولية. ويشدد مراقبون على ضرورة تقديم مرتكبى الانتهاكات إلى العدالة، وتفعيل القرارات الأممية، والضغط لوقف تجنيد الأطفال والهجمات العشوائية والحصار، وتوفير الدعم الإنسانى العاجل لإعادة تأهيل الأطفال نفسيًا وتعليميًا، باعتبار أن حماية الطفولة فى اليمن ليست مسئولية وطنية فقط، بل واجب إنسانى عالمى لا يحتمل الانتظار.















0 تعليق