عن الهدنة التي لم تهدأ فيها غزة!

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

 

لم يرفع قطاع غزة رأسه بعد من تحت ركام الحرب، فحتى الهدنة التي وُصفت بأنها “فرصة لالتقاط الأنفاس” تحوّلت إلى فصل جديد من فصول القلق والخوف والترقّب. في شوارع غزة الضيقة ومخيماتها التي أنهكتها أشهرٌ من القصف والجوع والحصار، يتحرك السكان بحذر وكأن الانفجار قد يعود في أي لحظة. فما زال صوت الطائرات لا يغادر السماء، والاقتحامات الليلية وحملات الاعتقال باتت خبزًا يوميًا يتجرعه الفلسطينيون، بينما يواصل المستوطنون وجيش الاحتلال هجماتهم في الضفة وغزة، مخلفين شهداء رغم إعلان وقف إطلاق النار.

 

ورغم دخول الاتفاق الذي رعته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي، فإن غزة لم تعرف الهدوء الحقيقي. فالغارات لم تتوقف بالكامل، والحرائق التي أشعلتها الحرب ما زالت تتوهج تحت رماد هش قد ينفجر في أي وقت.

 

وفي قلب هذا المشهد، يبرز الثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون. فقد أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بأن سبعة وستين طفلًا على الأقل قُتلوا في وقائع مرتبطة بالصراع منذ بدء الهدنة، إلى جانب أكثر من مئتين وثمانين شهيدًا منذ سريان الاتفاق، ما يؤكد أن الحرب لم تنتهِ، بل اتخذت شكلًا أكثر خفاءً وأشد قسوة.

 

ويستمر الجدل بشأن الدعم الأمريكي لهذه الهجمات والغارات، إذ أكّد موقع أكسيوس، نقلًا عن مسؤول أمريكي، أن إدارة ترامب تدعم الهجمات الإسرائيلية على مدينة غزة، خاصة بعد الهجوم الأخير الذي راح ضحيته حتى الآن أكثر من20 شهيدًا.

 

كما أن إنهاء المرحلة الأولى من الاتفاق لا يزال معلّقًا على ثلاث جثث لجنود إسرائيليين داخل غزة، وهو ملف لم يُحسم لدى الفصائل بعد، ما يجعل مستقبل الهدنة معلقًا بخيط رفيع بين الانهيار والتمديد، وبين صمت السلاح وعودته من جديد.

 

وفي السياق ذاته، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أعلن تشكيل لجنة وزارية مصغرة تضم ستة وزراء لتولي إدارة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتشمل وزير الأمن يسرائيل كاتس، ووزير الخارجية جدعون ساعر، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير العدل ياريف ليفين. وستتولى اللجنة تنسيق انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وفق الجداول الزمنية المتفق عليها، إضافة إلى الإشراف على زيادة دخول المساعدات الإنسانية خلال المرحلة الثانية.

 

يشير تشكيل هذه اللجنة إلى أن مفاوضات وقف إطلاق النار تدخل مرحلة حساسة ومعقدة، إذ يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى إحكام السيطرة السياسية والأمنية على تفاصيل المرحلة المقبلة عبر حصر القرار في مجموعة وزارية محدودة.

 

غير أن تركيبة اللجنة أثارت جدلًا واسعًا داخل إسرائيل وخارجها، خاصة أنها تضم شخصيات ذات توجهات يمينية متشددة مثل إيتمار بن غفير، الذي سبق أن تبنى مواقف متطرفة تجاه الفلسطينيين ودعا إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضدهم. وجود مثل هذه الشخصيات داخل لجنة يفترض أن تدير مرحلة تهدئة يعكس توجهًا أكثر تشددًا، ويثير تساؤلات حول مدى استعداد الحكومة الإسرائيلية للالتزام بروح الاتفاق.

 

كما أن سيطرة رموز اليمين الديني والقومي المتطرف على مفاصل القرار قد تجعل تنفيذ المرحلة الثانية عرضة لتجاذبات داخلية، ما قد يؤثر في عمليات الانسحاب وإدخال المساعدات وحتى في مستقبل المسار السياسي برمّته. إضافة إلى ذلك، تبدو مناورة نتنياهو واضحة عبر تأخير الانتقال إلى المرحلة الثانية من خلال استمرار العمليات العسكرية في بعض المناطق، في محاولة للحفاظ على أوراق ضغط داخل المفاوضات.

 

أما مسألة القوة الدولية المفترضة للإشراف على ما بعد الانسحاب فلا تزال غامضة وغير واضحة المعالم، خصوصًا مع غياب أي تقدّم فعلي على الأرض يعكس استعدادًا لتنفيذ كامل بنود الاتفاق.

 

وفي ضوء ما سبق، يبدو أن الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة يدخل مرحلة حرجة يصعب التنبؤ بمآلاتها، وسط تصاعد التوترات الميدانية والخلافات السياسية داخل إسرائيل، واستمرار معاناة المدنيين في القطاع الذين لم يغادرهم شبح الحرب رغم وقف إطلاق النار المعلن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق