قالت صحيفة التلجراف البريطانية، السبت، إن أوكرانيا، تواجه تهديدًا ثلاثيًا غير مسبوق، يتمثل في تزايد الخسائر الميدانية، وفضيحة فساد واسعة داخل الحكومة، إلى جانب خطة سلام جديدة مثيرة للجدل توصف بأنها أقرب إلى "الاستسلام".
وبحسب الصحيفة، يعتقد جينادي دروزينكو، وهو محامٍ وناشط ديمقراطي سابق تطوع للخدمة العسكرية، أنه من بين نحو ألف مجند داخل معسكر تدريبه، يكاد يكون الوحيد الذي انضم بإرادته. أما الغالبية، فهم رجال متقدمون في السن أو يعانون مشكلات صحية، جرى دفعهم إلى التجنيد القسري لسد الثغرات المتزايدة في الخطوط الأمامية.
وتحت عنوان: "الجدران تضيق الخناق على زيلينسكي وأوكرانيا"، نقلت التلجراف في تقريرها عن دروزينكو قوله: إن معنويات المجندين كانت منخفضة أصلًا، قبل أن تصل إلى "قاع جديد" عقب فضيحة الفساد التي هزت مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي، والمتعلقة باختلاس مئات الملايين من شركة الطاقة النووية الحكومية. وأضاف: "بعض هؤلاء يبلغون نحو 60 عامًا، ومن المؤسف أنهم يُجندون بينما يسرق مسؤولون ملايين الدولارات".
فضيحة فساد تهز ثقة الأوكرانيين بالرئيس
ووفقًا للصحيفة، يخضع سبعة مسؤولين حكوميين، بينهم مقربون من زيلينسكي، للتحقيق بتهمة اختلاس نحو 100 مليون دولار من عقود شركة "إنيرجوأتوم". وتشير التفاصيل التي كشفتها التحقيقات السرية إلى تورط أسماء بارزة، من بينها تيمور مينديتش، رجل أعمال سابق شارك زيلينسكي في أعماله الفنية، والذي فر للخارج فور تسريبات مذكرة توقيفه.
وقالت التلجراف: إن اكتشاف مرحاض ذهبي وأكياس نقود في شقة أحد المتهمين، فضلًا عن شكاوى أحدهم من "آلام الظهر بسبب حمل أكوام الأموال"، أثار غضبًا واسعًا، خاصة في ظل معاناة نحو نصف مليون مواطن من انقطاع الكهرباء يوميًا نتيجة الضربات الروسية المتواصلة على شبكة الطاقة.
ويرى كثير من الأوكرانيين أن الفساد داخل قطاع الطاقة أسهم في إعاقة تدعيم محطات الكهرباء ضد الهجمات الجوية، في لحظة يعتبرها المراقبون "الأكثر قسوة" مع اقتراب شتاء يتوقع أن يكون الأصعب منذ بداية الحرب.
خطة ترامب للسلام… تنازلات موجعة وقلق أوروبي
وأضافت التلجراف: أن الوضع ازداد سوءًا مع الكشف عن "خطة السلام المكونة من 28 نقطة"، والتي جرى إعدادها وفقًا لوكالة رويترز بعد مشاورات بين فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومسؤولين أوكرانيين، بينهم وزير الدفاع رستم عمروف.
وتتضمن الخطة السماح لروسيا بالاحتفاظ بمناطق واسعة في الشرق، وإجبار كييف على تسليم أربع مدن رئيسية في دونيتسك، إضافة إلى خفض حجم الجيش الأوكراني إلى النصف ومنعه من امتلاك صواريخ طويلة المدى، مقابل ضمانات أمنية غير محددة.
وترى العواصم الأوروبية وفق التقرير أن الخطة "استسلام صريح"، بينما يعتقد محللون أنها فرضت على زيلينسكي في لحظة ضعف سياسي بسبب الفضيحة الأخيرة.
ورغم ذلك، قال زيلينسكي إنه "سيعمل على نقاط الخطة لإنهاء الحرب"، في تصريح اعتبرته الصحيفة مؤشرًا على "الضغوط الهائلة التي يواجهها".
خسائر ميدانية ونقص حاد في الجنود
وأشارت التلجراف إلى أن تعاظم الخسائر الميدانية يزيد الموقف خطورة، حيث تواجه أوكرانيا احتمال سقوط بوكروفسك، المدينة المحورية في دونباس، مما سيعرض كراماتورسك وسلوفيانسك لخطر مباشر. وبسبب الضغط الروسي، اضطرت كييف إلى إعادة نشر وحدات عسكرية من جبهة زابوريزجيا، التي تواجه بدورها تهديدات متزايدة.
وذكرت الصحيفة أن عدد الفارين من التجنيد بلغ حوالي 200 ألف رجل منذ 2022، وهو رقم يعادل حجم الجيش الأوكراني في بداية الحرب، ما أدى إلى فجوة كبيرة في القوى البشرية وسط ازدياد العجز عن تعويض الخسائر.
وتشكو الوحدات القتالية من استخدام طائرات الدرون الحرارية لمراقبة الحدود بدل الدفع بها إلى الجبهات، وهو ما يرونه "إهدارًا" لقدرات كان يمكن أن تنقذ الأرواح.
انقسام داخلي وخطر اضطرابات سياسية
كما ذكرت الصحيفة أن المجتمع الأوكراني يزداد انقسامًا بين من قاتلوا ومن تهربوا من الخدمة، بينما تشكل شريحة المحاربين القدامى كتلة انتخابية قومية مؤثرة قد ترفض أي تسوية تقدم تنازلات لروسيا.
وحذر الناشط اليميني المؤثر سيرهي ستيرنينكو من أن البلاد "تتجه نحو كارثة استراتيجية"، مشيرًا إلى إمكانية اختراق الروس لزابوريزجيا إذا لم تحدث تغييرات جوهرية في القيادة.
وعلى الرغم من نفي بعض المحللين إمكانية وقوع انقلاب، يرى آخرون أن استمرار الفوضى قد يدفع بعض القوى القومية إلى التدخل، خاصة إذا وافقت الحكومة على خطة سلام تفهم كتنازل، وفقًا للصحيفة.
ورأت الصحيفة أن زيلينسكي قد يضطر إلى اتخاذ "خطوات جذرية"، أحدها قد يكون التضحية برئيس مكتبه أندريه يرماك، الذي يتهم بتحمل جزء من المسؤولية غير المباشرة عن "كارثة إنيرجوأتوم"، رغم أن الرئيس يعتبره أحد أقرب حلفائه.












0 تعليق