صدرت حديثًا عن دار الساقي للنشر، النسخة العربية لكتاب "الإقطاع التكنولوجي.. مقتل الرأسمالية"، للباحث يانيس فاروفاكيس، وهو اقتصادي وسياسي وكاتب يوناني، والكتاب من ترجمة مالك سليمان، وكان الكتاب قد اختير ضمن قائمة Financial Times لأفضل كتب عام 2023.
الرأسمالية ماتت برأس مال جديد فما هو؟
وفي مقدمته للكتاب يشير "يانيس" إلى أن فرضيته التي بني عليها كتابه تقول إن الرأسمالية قد ماتت، بمعني أن آليات عملها لم تعد تحكم اقتصاداتنا، وقد تم استبدالها، من حيث ذلك الدور، بشيء مختلف تمامًا أسميه الإقطاع التكنولوجي (technofeudalism)، تتمحور أطروحتي حول مفارقة ربما تبدو مربكة للوهلة الأولى، لكنني آمل أن أتمكن من البرهنة على مصداقيتها: ما قتل الرأسمالية هو.. رأس المال نفسه، ليس رأس المال كما عرفناه منذ فجر الحقبة الصناعية، بل نوع جديد من رأس المال؛ متحوّل تبلور خلال العقدين الأخيرين وكان أقوى من سلفه بحيث قضى، مثل فيروس غبي ومتقد على مضيفه نفسه.
ويضيف "يانيس": "ما الذي سبب حدوث هذا؟ تطوّران رئيسان: خصخصة الإنترنت على يد Big Tech الأمريكية والصينية؛ والطريقة التي تفاعلت بها الحكومات الغربية والمصارف المركزية مع الأزمة الاقتصادية الكبيرة في سنة 2008".
قبل التطرق إلى هذا الموضوع بشيء من التفصيل، يجب أن أوكد أن هذا ليس كتابًا عما ستفعله بنا التكنولوجيا، فهو ليس عن منصات الدردشة الحية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي (AI-chatbots) التي ستستولي على وظائفنا، أو الروبوتات المستقلة التي ستهدد حيواتنا، أو metaverse مارك زوكربيرج Mark Zucherberg الاعتباطي.
انتقال الرأسمالية من سلطة المال الصناعي إلى رأس المال السحابي
ويلفت "يانيس" إلى أن كتابه "الإقطاع التكنولوجي.. مقتل الرأسمالية"، يتناول ما تعرّضت له الرأسمالية سلفًا، وبالتالي ما تعرضنا له نحن، على يد الأجهزة المؤسسة على الشاشات والمرتبطة بالبرامج السحابية (cloud-linked) التي نستخدمها جميعًا، والكمبيوترات المحمولة المُمِلة وهواتفنا الذكية، بالإضافة إلى النهج الذي تتبعه المصارف المركزية والحكومات منذ سنة 2008.
فالتحول التاريخي لرأس المال الذي أتناوله قد حدث سلفًا دون أن ننتبه إليه: الملحة، من القلق الناجم عن الديون إلى الوباء والحروب والخطر المناخي فإن انتبهنا جيدًا، لن يكون من الصعب علينا أن ندرك أن تحوّل رأس المال إلى ما أسميه "رأس المال السحابي (cloud capital) قد قوّضَ دعامتي الرأسمالية المتمثلتين في الأسواق والأرباح، طبعًا لا تزال الأسواق والأرباح تتمتع بحضور قوي ونافذ ــ فقد كانت كذلك أيضًا في ظل النظام الإقطاعي ــ إلا أنها لم تعد تمسك بدفة القيادة.
فما حدث خلال العقدين الأخيرين هو تهميش الأسواق والأرباح وإزاحتها من مركز نظامنا الاقتصادي والاجتماعي واستبدالها. بماذا؟ لقد تم استبدال الأسواق، التي تشكل الوسط الذي تنتعش فيه الرأسمالية، بالمنصات التجارية الرقمية (digital trading platforms التي تبدو أشبه بالأسواق لكنها ليست أسواقًا، بل تبدو أقرب إلى الإقطاعات كما تم استبدال الربح، الذي يعمل بمثابة محرك الرأسمالية، بسلفه الإقطاعي المتمثل في الريع، وهو شكل من أشكال الريع الذي يترتب دفعه مقابل الدخول إلى تلك المنصات، أو إلى السحابة cloud) بشكل عام، وأطلق عليه اسم "الريع السحابي" (cloud rent)، ونتيجة لذلك، فإن السلطة الفعلية اليوم لا تكمن عند مُلاكِ رأس المال التقليدي المتمثل في الآلات والأبنية والسكك الحديدية، وشبكات الهواتف، والروبوتات الصناعية.


















0 تعليق