مصر ركيزة الاستقرار الإقليمى

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 تتسم المنطقة وشمال إفريقيا على مدار عقود بالديناميكية والتحديات المعقدة، حيث تتشابك الصراعات السياسية والأمنية والاقتصادية لتخلق بيئة إقليمية مضطربة. فى خضم هذا المشهد المتقلب تبرز مصر كقوة إقليمية محورية منذ عام ٢٠١٤، لا تكتفى بمراقبة الأزمات، بل تتبنى دورًا فاعلًا وبنّاء فى احتوائها وتخفيف حدتها، سعيًا منها لترسيخ دعائم الأمن والاستقرار الإقليميين كما يفعل الرئيس عبدالفتاح السيسى. 

إن هذا الدور لا ينبع فقط من ثقل مصر الجغرافى والديموغرافى، بل من إرثها التاريخى الطويل كمركز للحضارة ونقطة التقاء للثقافات، ومن قناعتها الراسخة بأن استقرارها يرتبط ارتباطًا وثيقًا باستقرار محيطها.

لقد لعبت مصر منذ ثورة ٣٠ يونيو دورًا قياديًا فى القضايا العربية والإفريقية. وظهرت كصوت الاعتدال والعقلانية فى المنطقة. إن امتلاكها جيشًا قويًا ومنضبطًا، إلى جانب مؤسسات دولة راسخة، منحها ميزة التعامل بفاعلية مع التهديدات الأمنية التى تتجاوز حدودها. كما أن عضويتها الفاعلة فى جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقى، وعلاقاتها المتوازنة مع القوى الدولية الكبرى، تمنحاها النفوذ اللازم للتوسط وبناء التوافقات فى أصعب الظروف.

وتعتمد الاستراتيجية المصرية فى احتواء الأزمات على عدة محاور متكاملة، تتجاوز الحلول الأمنية البحتة لتشمل الدبلوماسية والوساطة والدعم التنموى.

وتعد الدبلوماسية الرئاسية ركنًا أساسيًا، وقد تجلّت كفاءتها فى العديد من الملفات الشائكة، أبرزها القضية الفلسطينية. فمصر هى الراعى التاريخى لعمليات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، والوسيط الأهم فى وقف الحرب الإسرائيلية وتهدئة جولات التصعيد، خاصة فيما يتعلق بقطاع غزة. 

إن القناة المصرية المباشرة والوثيقة مع كل الأطراف تسمح لها بوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية فى أوقات الأزمات الحادة. وفى ملفات أخرى، مثل الأزمتين الليبية والسودانية، عملت مصر على دعم المسار السياسى، وعقدت لقاءات للبرلمان الليبى، والمساهمة فى توحيد المؤسسات العسكرية والسياسية فى الخرطوم، رفضًا للتدخلات الخارجية التى تهدد وحدة وسلامة الأراضى الليبية والسودانية.

وتدرك مصر أن الإرهاب والتنظيمات المتطرفة هما الـشرارة الأساسية للعديد من أزمات المنطقة، ولذلك فإن جهودها لمكافحة الإرهاب فى سيناء وعلى حدودها الغربية والجنوبية تعتبر خدمة مباشرة للأمن الإقليمى. ومن خلال حربها الاستباقية ضد التنظيمات الإرهابية، تحمى مصر، ليس حدودها فحسب، بل تمنع امتداد هذه الأيديولوجيات المتطرفة إلى دول الجوار وشمال إفريقيا. هذا التركيز على الأمن الداخلى يمثل سدًا منيعًا أمام انهيار الدول المجاورة.

وفى ظل تصاعد ظاهرة تفكك الدول وتشرذمها فى المنطقة، تتبنى مصر مبدأ ثابتًا هو الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها. هذا المبدأ هو الأساس فى تعاملها مع الأزمتين الليبية والسودانية على سبيل المثال. وترفض مصر أى محاولة للتقسيم أو للتدخل الخارجى الذى يهدف إلى إضعاف الحكومات المركزية. وتعمل على حث الأطراف المتنازعة على العودة إلى طاولة المفاوضات تحت مظلة الشرعية الوطنية القائمة، إيمانًا منها بأن انهيار أى دولة مجاورة سيشعل فتيل أزمة لا يمكن احتواؤها.

ولا يقتصر دور مصر على الجانبين السياسى والأمنى، فهى تدرك أن الأزمات الإقليمية غالبًا ما تكون ذات جذور اقتصادية واجتماعية. ومن هنا تعمل مصر على تعزيز التكامل الاقتصادى مع دول الجوار، مثل السودان والأردن والعراق، عبر مشاريع ربط الكهرباء والغاز وزيادة التبادل التجارى. كما أنها تستضيف ملايين اللاجئين والمقيمين من دول المنطقة المضطربة، وتقدم لهم الخدمات الأساسية دون عزلهم فى مخيمات، ما يمثل عبئًا إنسانيًا واقتصاديًا تضطلع به بمسئولية، ويخفف من تفاقم الأزمة الإنسانية فى تلك الدول.

ويواجه الدور المصرى تحديات كبيرة، أبرزها ضخامة وتعقيد الأزمات وتعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين المتدخلين. كما أن الأزمة الاقتصادية العالمية وضغوطها الداخلية تلقى بظلالها على قدرتها على تقديم الدعم المالى اللازم.

ومع ذلك تظل مصر صمام الأمان وتسعى باستمرار لتحديث آليات عملها الإقليمى. إن نجاح مصر فى احتواء أزمات المنطقة هو نجاح للمنطقة بأسرها. هى تستثمر فى الاستقرار على المدى الطويل، وتؤمن بأن الطريق الوحيد للخروج من حلقة الصراعات المفرغة هو عبر الحوار والاعتدال، واحترام سيادة الدول.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق