خبير المقامات طه عبدالوهاب لـ«الدستور»: برنامج «دولة التلاوة» أعاد ربط الشباب بالقرآن.. وانتظروا مفاجأة فى الحلقات الأخيرة

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع بدء عرض التصفيات النهائية لبرنامج «دولة التلاوة»، التف الجميع حول الشاشات لمتابعة فعاليات البرنامج، الذى جذب آلاف الشباب لتقديم أجمل وأدق تلاوة ممكنة فى تجويد وترتيل القرآن، ليصبح البرنامج، الذى يُنتج بالتعاون بين وزارة الأوقاف المصرية والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، محفزًا للأجيال الجديدة على محبة القرآن وتدبره.

فى الحوار التالى مع «الدستور»، يشاركنا الدكتور طه عبدالوهاب، خبير الصوتيات والمقامات، تجربته مع برنامج «دولة التلاوة» كُمحكم، وكيف يرى تطور المشاركين، وما التحديات التى واجهت اختيار أفضل الأصوات، إلى جانب الحديث عن تأثير البرنامج على الشباب، والنصائح التى يوجّهها لكل من يحلم بأن يصبح قارئًا متمكنًا لآيات الذكر الحكيم، ويسير على نهج رواد التلاوة على مدار السنين.

 

■ بدايةً كيف انطلقت تجربتك مع برنامج «دولة التلاوة»؟ 

- بداية تجربتى مع برنامج «دولة التلاوة» كانت قبل أكثر من ٣ سنوات، عندما دعانى فضيلة الشيخ على جمعة للمشاركة فى برنامج «مصر دولة التلاوة»، والذى تحدث عن حياة القراء الكبار فى تلاوة القرآن الكريم. كنت متابعًا للبرنامج منذ اللحظة الأولى، وكان اهتمامى به نابعًا من رؤيتى لأهمية رعاية حفظة القرآن، وتطوير مهارات التلاوة لديهم وفقًا لأحدث المعايير الصوتية والمقامية، التى درستها ودرّستها بعمق فى مختلف الثقافات الموسيقية.

وحين تابعت توافد أكثر من ١٤ ألف متسابق للمشاركة فى «دولة التلاوة»، أُعجبت بأن الهم الوطنى والدينى يتجسد فى رغبة الشباب فى التعلم والتفوق، لذا كنت حريصًا على التواصل المستمر مع فرق العمل، لمساعدة المتسابقين فى تطوير قدراتهم وإظهار تلاوتهم بأبهى صورة.

■ كيف تم تنظيم عملية الفرز والاختيار فى البداية؟

- فى المرحلة الأولى من برنامج «دولة التلاوة»، تولى عملية الفرز الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، الذى عمل مع فريق متخصص على إدارة عملية انتقاء دقيقة من بين آلاف المتقدمين من مختلف المحافظات والفئات العمرية، بناءً على منهجية علمية للفرز تضمن العدل والحياد.

وفقًا لهذه المنهجية، قُسّم المشاركون إلى مجموعات عديدة، مع تخصيص لجان استماع وتقييم لأداء كل مجموعة على حدة، بهدف استخراج أفضل المواهب بشكل متدرج، دون إغفال الاعتبارات الفنية والموضوعية. نجح هذا التنظيم المنهجى فى تقليص العدد الهائل للمتقدمين إلى قائمة مختارة من ٣٢ متسابقًا فقط للمرحلة الحالية، مع ضمان حضور عناصر متنوعة تمثل مختلف مدارس التلاوة.

■ ما أبرز التحديات التى واجهتموها فى هذه المرحلة؟

- رغم نجاح التنظيم، كانت هناك تحديات جوهرية، فقد تنوعت أصوات المتسابقين ومناهجهم فى الأداء بشكل كبير، ما صعّب التقييم السريع، خاصة أن العمل لم يقتصر على التقييم الفنى للصوت فقط، بل كان لا بد من مراعاة معايير سلامة الأحكام النحوية والتجويدية، ودقة إخراج الحروف والمخارج، والنظر فى قدرة كل قارئ على المزج بين عمق المهارة الفنية والروحانية فى التلاوة.

بعض الأصوات كانت مذهلة من الناحية التقنية، لكن ينقصها التأثير الروحى، أو الالتزام الدقيق بقواعد التجويد، وهذا ما تطلب من لجنة التحكيم بحثًا متأنيًا وتحليلًا معمقًا كى يكون الاختيار مبنيًا على رؤية شاملة تعكس روح القرآن، وليس مجرد الأداء الصوتى وحده.

■ فى رأيك، هل هناك فرق بين مستوى المتسابقين المصريين مقارنة بأقرانهم فى المسابقات الدولية؟

- الفارق واضح وجَلِى، فنحن فى مصر نتمتع بتفوق كبير فى الإتقان الفنى، خاصة فيما يتعلق بالمخارج والصفات الصوتية. اللسان المصرى بطبيعته يتيح للقارئ قدرة فريدة على تقديم التلاوة بجودة عالية، وتصوير روحى عميق. مقارنة بالمسابقات الدولية، يظل الأداء المصرى يحتل مكانة بارزة، لأنه مبنى على أصول تعليمية وتربوية صلبة، وممارسة مستمرة منذ الصغر.

■ كيف يمكن أن تفسر هذا التقدم وتأثير البرنامج على الأجيال الجديدة من الشباب؟

- «دولة التلاوة» أحدث طفرة فى إعادة ربط الشباب بالقرآن الكريم. ورغم بعض القيل والقال عن تراجع اهتمام الشباب بالقرآن، تبين أن هذا اعتقاد خاطئ، فمتابعة فعاليات المسابقات تظهر مدى تقبلهم وانخراطهم العميق فى هذا الاهتمام. «دولة التلاوة» أعاد للقرآن مكانته فى الحياة اليومية، وللتجويد جاذبيته، وهذا انعكس على زيادة أعداد المتعلمين والمتنافسين من الشباب، الذين باتوا يقدمون أداءً يرتقى للمستويات العالمية، وبث روح التنافس الشريف بدلًا من المنافسة العشوائية.

■ ما الذى يميز القارئ المتمكن فى نظرك؟

- القارئ المتمكن من تلاوة القرآن الكريم لا يقرأ آياته كأنه يردد نصوصًا محفوظة فقط، بل ينقل مشاعر روحية عميقة وحالة ذهنية متكاملة، تجعل المستمع يعيش تجربة إيمانية خاصة، فالصوت الجيد جزء مهم، لكنه وحده لا يكفى، إذ لا بد من وجود «قبول» خاص يشكل جسرًا بين القارئ والمستمع. هذا القبول ينبع من إحساس عميق بالقرآن، وفهم حقيقى لمعانيه وأحكامه، فضلًا عن موهبة روحية تمنح التلاوة حياة وعمقًا.

تاريخ القراء المصريين ملىء بأمثلة لقراء أثّروا فى أجيال من خلال أصواتهم الفريدة وأدائهم المؤثر، مثل عبدالباسط عبدالصمد ومحمود الحصرى ومحمد رفعت وعبدالعظيم زاهر وكامل يوسف البهتيمى. هؤلاء وغيرهم من الرعيل الأول أصبح صوتهم علامة فارقة فى فن التلاوة، وصدى يستمر فى النفوس حتى بعد وفاتهم، تتردد أصواتهم فى القلوب والعقول، وينقلها الجيل تلو الآخر كتراث لا يُمحى، ما يؤكد أن التلاوة فن روحى لا يتوقف عند المهارات الصوتية فقط، بل يرتكز على صلة وعمق إيمانى يعانق المستمع ويجعله يتذوق القرآن بقلوب مفتوحة.

■ هل تعتقد أن هناك مجالًا لظهور جيل جديد من القراء على نفس المستوى؟

- الفرصة متاحة بالفعل لظهور جيل جديد من القراء على نفس المستوى، بل وأعلى، إذا اتبعنا الأساليب الصحيحة فى التعليم والتدريب. أسلوب التلقى المباشر فى دور التحفيظ التقليدية كان ولا يزال حجر الزاوية فى بناء قراء متمكنين، فهو يركز على حفظ الرسم، والوقف، والمخارج بدقة متناهية. هذا النهج يضمن أن يكون القارئ حافظًا للآيات، ومتمرسًا على أدق تفاصيل التلاوة، ما يمنحه صدقية وروحانية فى الأداء. 

■ كيف ترى منافسة الأطفال مع الشباب فى برنامج «دولة التلاوة»؟

- منافسة الأطفال مع الشباب فى برنامج «دولة التلاوة» فرصة رائعة لاكتشاف المواهب من مختلف الأعمار، فالأطفال يقدمون أداءً مميزًا، فى بعض الأحيان يفوقون البعض من الكبار، بفضل حسهم الموسيقى الفطرى، وقدرتهم على التعبير الروحى المبكر. 

■ لكن، ألا توجد فروق طبيعية فى الأداء حسب العمر؟

- العمر ليس العامل الحاسم فى جودة الأداء. يمكن لطفل صغير أن يمتلك صوتًا وقوة تعبير تفوق شابًا أكبر سنًا. والأداء فى التلاوة يعتمد على الموهبة والتدريب والإحساس العميق بالقرآن الكريم، لذا، فى كثير من الأحيان، يظهر الأطفال قدرة فائقة على حفظ الأوزان. وأعتقد أنه فى الحلقات النهائية سيكون هناك طفل يجابه أصوات الشباب ويقف له بالند من جماله وقوته.

■ ما الأهداف الكبرى التى تسعى إليها من خلال مشاركتك فى البرنامج؟

- أطمح إلى المحافظة على تراث التلاوة بشكل أصيل، ونشر حب القرآن والتجويد بجودة عالية. أريد أن أسهم فى تطوير مهارات المتسابقين بطريقة علمية، تتماشى مع روح العصر، وتحفظ فى نفس الوقت الأصالة، على المستوى المجتمعى. أرى البرنامج رافعة لتعزيز الهوية الدينية والثقافية لمصر، وتعزيز مكانة القراءة فى فكر الأجيال.

■ كيف ترى دعم القيادة السياسية لإنجاح واستمرارية البرنامج؟

- دعم القيادة السياسية أساسى، وأعطى ثقة وثقلًا للبرنامج، وضمن استمراريته. أيضًا دعم الدولة واهتمامها بهذا النوع من البرامج يعكسان حرصها على حفظ التراث الدينى والثقافى.

■ ما المعايير التى تستندون إليها فى تقييم المتسابقين؟

- المعايير دقيقة وشاملة، وتتضمن ٣٥ درجة لأحكام التجويد، والمخارج، والصفات التى تعبر عن صحة النطق وجمال الأداء، و٣٥ درجة للطريقة التى يتنقل بها القارئ بين المقامات الموسيقية المختلفة، وتعكس عمق إحساسه وتأثيره على المستمع، إلى جانب ٣٠ درجة لقوة الصوت واستخدام الطبقات الصوتية بالشكل الصحيح فى بداية التلاوة ونهايتها، ما يعطى حيوية وتأثيرًا أكبر على الجمهور. كما نأخذ بعين الاعتبار الوقف والابتداء وسلامة الأداء، والالتزام بالسؤال الموجّه لكل متسابق فى التقييم، فتتجمع درجات هذه العناصر لرسم صورة شاملة لكل قارئ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق