رحلة القمر البطيئة.. كيف يبتعد رفيق الأرض ويغير مصير كوكبنا

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لمليارات السنين، ظل القمر رفيقًا ثابتًا للأرض، يؤثر على المد والجزر، يثبت ميلان كوكبنا، ويشكل جزءًا أساسيًا في تطور الحياة على الأرض. 

ومع ذلك، كشفت القياسات الحديثة باستخدام أشعة الليزر أن القمر يبتعد عن الأرض بمعدل حوالي 3.8 سنتيمترات كل عام، وهي حركة تبدو صغيرة لكنها تكشف آليات عميقة تحكم حركة الأجرام السماوية وتكشف عن ديناميكية الأرض والقمر بطريقة لم نكن نتصورها من قبل.

كيف اكتشف العلماء ابتعاد القمر عن الأرض؟

بدأت القصة في عام 1969، عندما وضع رواد فضاء أبولو 11 جهازًا عاكسًا ليزريًا على سطح القمر، ومن خلال ارتداد أشعة الليزر عنه، تمكن العلماء من قياس المسافة بين الأرض والقمر بدقة مذهلة، ليكتشفوا ابتعاده التدريجي بضع سنتيمترات سنويًا. 

في البداية، رُبط هذا الانحراف بتأثير المد والجزر الناتج عن دوران الأرض، حيث تسبب انتفاخات المحيطات في جذب القمر إلى الأمام، مما دفعه تدريجيًا بعيدًا عن الأرض، إلا أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن هذه الحركة ليست مجرد نتيجة للاحتكاك البحري، بل تشمل عوامل أعمق وأكثر تعقيدًا.

الاصطدامات الكوكبية القديمة: دفعة أولية نحو الابتعاد

قبل حوالي 4.5 مليار سنة، كان النظام الشمسي مليئًا بالأجسام المنصهرة والحطام الكوني، ومرّت الأرض بمرحلة مليئة بالاصطدامات مع كواكب صغيرة متحركة، وكان لكل اصطدام تأثيره على سرعة القمر المدارية، مما ساهم تدريجيًا في زيادة قوته الطاردة المركزية ودفعه نحو الخارج. 

كما أن الانفجارات البركانية أطلقت شظايا وحطامًا اندمجت لاحقًا مع القمر، لتشكل ما يشبه "تأثير كرة الثلج" البطيء الذي دفع القمر برفق بعيدًا عن الأرض، وهو نمط يمكن ملاحظته في أنظمة كوكبية أخرى حول النجوم.

الانكماش الداخلي للأرض وتأثيره على مدار القمر

بالإضافة إلى التأثيرات الخارجية، يلعب هيكل الأرض الداخلي دورًا رئيسيًا في حركة القمر، إذ مع تبريد وتصلب نواة الكوكب المنصهرة، ينكمش حجمها مع الحفاظ على الزخم الزاوي، مما يزيد من سرعة دوران الأرض جزئيًا، وينتقل جزء من طاقة هذا الدوران إلى مدار القمر، فيزيد سرعته ويدفعه نحو الخارج.

وحتى الزلازل الكبرى، مثل زلزال توهوكو في اليابان عام 2011، أثرت على محور الأرض وزادت دورانها بشكل مؤقت، مما يعكس التأثير العميق للعمليات الداخلية على الحركات السماوية.

انعكاسات الابتعاد على الأرض والحياة

مع استمرار ابتعاد القمر، ستتغير قوى المد والجزر، ويتباطأ دوران الأرض تدريجيًا، مما يجعل الأيام أطول قليلاً، ويؤثر على حركة المحيطات والغلاف الجوي، وحتى الدورات البيولوجية للكائنات الحية التي تطورت تحت تأثير جاذبية القمر.

إن هذا الانجراف الكوني ليس مجرد ظاهرة فضولية، بل نافذة لفهم تعقيد العلاقة بين الأرض والقمر، حيث تتفاعل الاصطدامات القديمة، الانكماش الداخلي، والزخم الزاوي لتشكل مسار القمر في المستقبل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق