في المشهد الشعري المصري المعاصر، يظهر حضور الجسد الأنثوي بوصفه ساحةً تتقاطع فيها الأسئلة الوجودية والثقافية والجمالية. يتجاوز الجسد في قصيدة المرأة مجرّد استعارة للغواية أو الحنين، كما كان في التراث الشعري العربي، ليطل علينا في صورة ذاكرة حية تستعيد عبرها الشاعرات تجارب الألم والولادة والغياب والتحول من خلال القصيدة، تُعيد المرأة المصرية كتابة جسدها المقموع اجتماعيًا والمراقَب أخلاقيًا، لتمنحه لغته الخاصة وقدرته على الشهادة.
غير أن هذا البوح الشعري لا يخلو من المخاطر؛ فثمة خطوط حمراء لا تزال تحاصر القلم الأنثوي، تُرسم باسم التقاليد أو الدين أو الحياء، تحدثنا الشاعرة والناقدة الدكتور رشا الفوال عن الجسد الأنثوي في قصيدة المرأة الخطوط الحمراء التي تقوض الكتابة في التالي:
قالت الشاعرة والناقدة الدكتور رشا الفوال: الجسد هو الأرشيف الأكثر صدقًا لتجربة الإنسان، وعندما يُقمع هذا الأرشيف، تُشوَّه الذاكرة، والجسد في قصيدة المرأة المصرية ليس موضوعًا خارجيًا يمكن تأمله من بعيد، بل هو ساحة التجربة الأولى، ودفترها الأول الذي كُتبت عليه علامات الوجود والغياب، اللذة والقمع، الولادة والموت.
وترى الفوال: مع ذلك، تبقى هناك خطوط حمراء تُفرض من الخارج، ومن الداخل على كتابة هذا الوجع؛ ففي المجتمع المصري، والعربي عمومًا، يُنظر إلى الجسد الأنثوي بوصفه منطقة محرّمة وحين تكتب المرأة عن جسدها، لا تُقرأ نصوصها دائمًا كفن، بل كثيرًا ما تُختزل من خلال التابوهات الأخلاقية التي يفرضها المجتمع
واوضحت الفوال: الشاعرة التي تُجبر على الصمت الجسدي، تُجبر أيضًا على نسيان جزء من ذاتها، وكأنها تُقصي من تاريخها الداخلي.
ولفتت الفوال الى ان الشعر الذي يعيد لهذا الجسد لغته المفقودة، ويمنح الذاكرة فرصة أن تتكلم من خلال الوجع لا عنه، ولذلك نرى أنه كلما ضاق الهامش؛ تلجأ الشاعرة إلى الترميز والاستعارة والتهكم لتكتب ما لا يُقال. لتكتب من قلب الجرح، وتمنح الجسد لغته، وتعيد للذاكرة حقها في الكلام.
وأكدت الفوال على ان ولأن كل ما يُمنع الجسد من قوله، يتحوّل إلى ذاكرة خفية تسكن الأعماق، وتعود في شكل خوف، أو حلم، أو قصيدة تبحث عن خلاصها في اللغة. فكلما اشتدّ الكبت، ارتفع صوت الذاكرة التي تبحث عن خلاصها في بيت شعرٍ يفتح الباب المغلق.
وختمت الفوال فالجسد المكبوت لا يختفي، بل يتحوّل إلى نص، إلى لغة ثانية تتكلم بالرمز حين يُحظر عليها البوح المباشر.













0 تعليق