في إنجاز علمي بارز، تمكن باحثون من معهد كوريا المتقدم للعلوم والتكنولوجيا (KAIST) من فك لغز طالما حيّر العلماء، وهو كيف تتحول الخلايا المناعية التي صُممت لحماية الجسم إلى "قوات متمردة" تهاجم الأنسجة السليمة.
ووفقًا لتقرير نشره موقع "ميديكال إكسبريس"، فإن هذا الاكتشاف يفتح آفاقًا جديدة لتطوير علاجات دقيقة تستهدف أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي.
الخلايا التائية.. من الحارس إلى المهاجم
تركز الدراسة على الخلايا التائية القاتلة، وهي إحدى ركائز الجهاز المناعي التي تكافح الفيروسات والخلايا المصابة.
لكن في بعض الحالات، تتحول هذه الخلايا إلى مهاجم شرس، مسببة تلفًا في الأنسجة السليمة.
ويقول الباحثون إن السبب يعود إلى ظاهرة تُعرف باسم "التنشيط التلقائي"، حيث تبدأ الخلايا التائية بمهاجمة الخلايا المضيفة دون وجود محفز واضح، وهي الظاهرة التي بدأ الفريق دراستها منذ عام 2018.
دور بروتين "إنترلوكين-15" في إشعال الفوضى
كشفت التجارب الحديثة أن بروتين "إنترلوكين-15" (IL-15) يلعب دورًا رئيسيًا في إثارة الخلايا التائية بشكل غير طبيعي، ما يجعلها تهاجم الخلايا السليمة.
لكن المفارقة أن وجود محفز مستضدي محدد في الوقت ذاته يمكن أن يكبح هذا السلوك العشوائي، وهو ما يشير إلى توازن دقيق تحافظ عليه الخلية في الظروف الطبيعية.
الكالسيوم.. مفتاح التحكم في التمرد
يرتبط هذا التوازن بتغيرات في نسبة أيونات الكالسيوم داخل الخلية، إذ يؤدي ذلك إلى تنشيط بروتين يسمى "كالسينيورين"، الذي يحفز بدوره عاملًا تنظيميا معروفًا باسم NFAT، يقوم بوضع "فرامل" على التنشيط العشوائي للخلايا التائية.
لكن المفاجأة الكبرى كانت أن بعض الأدوية المثبطة للمناعة، التي تعتمد على تعطيل مسار الكالسينيورين، قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتزيد من احتمالية هذا التمرد الخلوي في بعض المرضى.
علامات جينية للتشخيص المبكر
من خلال تحليل جيني موسع، حدد الباحثون علامات جزيئية فريدة تظهر في الخلايا التائية المنشطة بشكل غير طبيعي، وهي العلامات نفسها التي تم العثور عليها في خلايا مرضى التهاب الكبد الحاد.
ويعني ذلك إمكانية استخدام هذه العلامات في تشخيص مبكر لأمراض المناعة الذاتية أو حتى مراقبة تطورها.
خطوة نحو علاج مخصص لكل مريض
يؤكد الفريق الكوري أن هذا الاكتشاف لا يقتصر على تفسير الظاهرة، بل يفتح الباب أمام تصميم أدوية ذكية تستهدف فقط آليات فرط التنشيط المناعي دون المساس بوظائف المناعة الطبيعية، وهو ما يمنح الأمل لملايين المرضى حول العالم الذين يعانون من أمراض المناعة الذاتية المزمنة.


















0 تعليق