فى ليلة متميزة، استضافت مؤسسة «الدستور»، الشاعر الكبير جمال بخيت، ضمن فعاليات صالونها الثقافى، الذى يديره الشاعر والمؤرخ شعبان يوسف، وتحدث «بخيت»، فى كلمته، عن عدد من المواقف المهمة فى حياته، من بينها زيارته الخاصة إلى أوزبكستان، مع التجول فى ذكرياته وتجربته الخاصة فى الشعر والصحافة، حين تولى مقاليد رئاسة تحرير مجلة «صباح الخير».
حضر «صالون الدستور» عدد كبير من الشخصيات العامة، من بينهم المخرج خالد يوسف وزوجته شاليمار شربتلى، والكاتبة الكبيرة سلوى بكر، والشاعر والمنتج مدحت العدل والشاعر حسنين السيد، والدكتور مجدى زعبل، المدير السابق للمركز الثقافى المصرى فى أوزبكستان، واللواء متقاعد إيهاب مصطفى، والمخرج الكبير محمد فاضل والدكتور أسامة السروى، المستشار الثقافى السابق لمصر فى روسيا، بالإضافة إلى كل من الإعلاميات: فريدة الشوباشى وشيرين الشايب وإلهام حمدان ونادية الحسينى، وعدد من الصحفيين بمجلة «صباح الخير».

محمد الباز: نتوحد معه خلف مجموعة كبيرة من الثوابت الوطنية
فى مستهل الصالون، قال الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسى إدارة وتحرير جريدة «الدستور»: «ليلة مميزة يكتمل بهاؤها بوجود جمال بخيت. يسعدنى ذلك بشكل شخصى، فقد جمعتنا بعض المواقف سويًا من قبل».
وأضاف «الباز»: «أذكر أننا كنا فى شرم الشيخ لحضور احتفال ١٠٠ عام على تأسيس البرلمان، وحين أُذيع السلام الجمهورى انقطع الصوت، فقاد جمال بخيت الجميع فى غناء النشيد الوطنى. وحين أطلقنا جريدة (حرف) كان متابعًا لنا، وخصنا بقصيدة من تأليفه».
وواصل: «كان داعمًا بشكل حقيقى لنا فى جريدة (حرف)، فبخلاف الدعم المعنوى الذى قدمه المثقفون، خصنا هو بقصيدة، وسط ترقب كبير لهذا الإصدار الثقافى، الذى نستهدف من خلاله جريدة ثقافية تسع الجميع».
واختتم رئيس مجلسى إدارة وتحرير جريدة «الدستور» بقوله: «حتى لو نختلف سياسيًا فى بعض الأحيان، نظل متوحدين خلف مجموعة كبيرة من الأفكار والثوابت الوطنية»، مُرحبًا بجميع الحضور وبـ«شاعرنا الكبير الذى نزداد شرفًا بوجوده».

شعبان يوسف: قصيدته تُقرأ فى كل العالم العربى ولا يمكن قراءة المرحلة بدونه
قال الناقد والشاعر شعبان يوسف: «لو تحدثت عن جمال بخيت الصديق فستكون شهادتى عنه مجروحة. لكن جمال بخيت سيرته عطرة ومليئة بالإبداع المتعدد من شعر وصحافة»، مشيرًا إلى أن «بخيت» خريج إعلام، والتحق بمجلة «صباح الخير» وترأس تحريرها، وأسهم فى الكثير من المقالات والإبداعات.
وأضاف «يوسف»: «أما فى الشعر، فنشر أول ديوان له فى عام ١٩٨٥، وغزا الإبداع بنماذج لم تكن كمية فقط، ويمكن اعتباره ضمن الجيل الثالث من أجيال شعر العامية، الذى بدأه صلاح جاهين وفؤاد حداد، اللذان يعتبران بمثابة أبوين روحيين بالنسبة له»، مشيرًا إلى أنه «بعد جيل الأبنودى وسيد حجاب، جاء جيل جمال بخيت فى مرحلة وسطى، تضم إلى جانبه زين العابدين فؤاد ومحمد سيف».
ووصف «بخيت» بأنه «أحد المجددين الكبار فى شعر العامية»، مضيفًا: «تجربتى مع شعره بدأت حين طبعنا الأعمال الكاملة ونظمنا احتفالية لذلك، حينها قرأت شعره على عجل، قبل أن أعاود قراءته من جديد فى الأيام الماضية فوجدته صاحب جملة شعرية مختلفة وشفافة وناعمة وحادة. لم يكن حنجوريًا حادًا يغفل النعومة بل استطاع أن يجمع بين الاثنين».
وواصل: «قصيدته تُقرأ فى العالم العربى كله، فجمال بخيت له حضور عربى كبير، وهو ليس شعبويًا محضًا أو نخبويًا فى المقابل، بل ضبط جملته فى منطقة وسط، إلى جانب مسيرته الكبيرة فى كتابة الأغنية، فضلًا عن مشاركتى إياه فى لجان تحكيم».
وأكمل: «على قدر الاختلاف كان حنونًا جدًا فى أحكامه، وأتذكر أنه كان معنا شاعر كبير مقرر للجنة منح الجائزة التشجيعية، ويريد حجب الجائزة، لكن جمال بخيت رفض وطلب منحها للمتميز، وهو ما حدث بالفعل».
وأتم شعبان يوسف بقوله: «جمال بخيت هو الشاعر الضرورة، الذى لا يمكننا قراءة المرحلة بدونه».

أحمد بخيت: شعبيته لا غبار عليها وصنع له صوتًا خاصًا
أكد الشاعر أحمد بخيت أنه تعلم من جمال بخيت شجاعة الإبداع، ويعتز بصداقته بشدة، واصفًا إياه بأنه «واحد من أهم شعراء العامية فى مصر، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق»، إلى جانب كونه «واحدًا من أهم الأصوات الشعرية فى العالم العربى». وأضاف «بخيت»: «جمال بخيت له بصمته الخاصة جدًا، وهو من الشعراء القلائل الذين وصلوا إلى الجماهير، واحتفظ بجماليات الشعر حتى بعد كتابته الأغنية. كما أنه متمكن من الفصحى ويكتب بها أحيانًا».
وواصل: «جمال بخيت علامة فى تاريخ الشعر العربى، شعره غطى مصر كلها، وشعبيته لا غبار عليها، وصنع له صوتًا خاصًا، وجمع بين تلقائية صلاح جاهين وعمق فؤاد حداد، وصنع معادلة كبيرة فى شعر العامية».

جمال بخيت: ألقيت قصيدة «صحيح البخارى» فى أوزبكستان وتسببت فى دعوتى لموسكو
توجه الشاعر الكبير جمال بخيت بالشكر لمؤسسة «الدستور»، والدكتور محمد الباز، رئيس مجلسى الإدارة والتحرير للمؤسسة، على استضافته بالصالون الثقافى، كما توجه بالشكر لعدد من الحضور، على رأسهم الدكتور مجدى زعبل، المدير السابق للمركز الثقافى المصرى فى أوزبكستان.
وقال «بخيت» فى كلمته: «زعبل هو أحد أصدقاء الزمن الجميل، وكانت لى تجربة خاصة كان هو فيها صاحب كلمة السر، وحين كان مستشارًا ثقافيًا فى أوزبكستان اكتشف قصيدة لى اسمها (صحيح البخارى)، وكانت ضمن قصائد ديوانى (مسحراتى العرب)، ولأن البخارى له فى أوزبكستان قيمة عظيمة جدًا فقد تواصل زعبل مع موسيقار كبير هناك، وأقاموا لى ثلاث حفلات، ترجمها واحد من الخبراء الروس الذين يجيدون اللغة العربية بمصريتها، فتم تكريمى فى ثلاث مدن، هى: طشقند وبخارى وسمرقند».
وأضاف: «كان من أغرب ما شاهدت فى طشقند تمثال المثال المصرى الشهير محمود مختار، وحين رجعت من الرحلة كتبت كل تفاصيلها فى مجلة (صباح الخير)، وبعد أن نشر العدد وجدت الدكتور أسامة السروى، وكان ملحقًا ثقافيًا فى موسكو، يخبرنى بأنه قد تقرر عمل تمثال خاص ليوضع فى كلية الآداب هناك، وإنه بصدد إقامة احتفال كبير بهذه المناسبة، ودعانى لألقى قصيدة بهذه المناسبة».
وأوضح الشاعر الكبير أنه شعر بسعادة كبيرة جدًا بزيارة موسكو، بناءً على دعوة «السروى»، وظل يفكر طوال رحلته إليها عن قصيدة تناسب الحدث، حتى قرر إلقاء إحدى قصائد ديوانه «مسحراتى العرب»، يذكر فيها شعراء الإنسانية، وهو ما حدث بالفعل، مؤكدًا أن ترجمة قصيدته للغة الروسية صاحبها شعور عظيم.

مجدى زعبل: يسمونه فى أوزبكستان «جمال الدين البخارى»
وصف الدكتور مجدى زعبل، المدير السابق للمركز الثقافى المصرى فى أوزبكستان، الشاعر جمال بخيت بأنه «صديق عمر ونضال»، موضحًا أنه يرى فيه ملخصًا لوجدان الشعب المصرى واللغة العربية.
حين كنت فى أوزبكستان كانت لدينا مكتبة ضخمة فى المركز الثقافى المصرى، وكانت مصدر إشعاع للعلماء والطلبة، الذين كانوا يقرأون فيها عن مصر، وذات يوم فوجئت بديوان (مسحراتى العرب)، لـ(بخيت) بين الكتب، وقرأت به قصيدة (صحيح البخارى)، ويومها لم أنم».
وأضاف: «فى اليوم التالى تواصلت مع (بختيار إبراهيموف)، أحد مستشارى المركز، وتحدثت معه حول كيفية الاستفادة من قصيدة بخيت، لأنهم فى أوزبكستان يسمون البخارى أستاذ الدنيا، كما ناقشت مستشارًا آخر حول الأشعار عن البخارى، وقرأت له القصيدة، فبكى حين سمعها، وطلب منى ترجمتها». وتابع: «حينها فكرت فى زيارة وزير الثقافة الأوزبكى، وناقشت معه مسألة تنظيم أسبوع ثقافى مصرى، لأن مصر لديهم هى قبلة المجد، واقترحت أن تقرأ فى الأسبوع الثقافى قصيدة (صحيح البخارى) للشاعر جمال بخيت، فوافق الوزير على الفور». وأردف: «بعد قراءة القصيدة، صنعنا لها (معلقة) باللغتين المصرية والأوزبكية من ٣ نسخ، وضعنا إحداها فى مكتب المحافظ، وكانت رحلة بخيت إلى هناك محملة بالمعانى، حتى إن مفتى سمرقند فى ذلك الوقت، وكان اسمه عثمان عليموف، طلب منى أن يقرأ القصيدة أثناء خطبة الجمعة».
وأوضح «زعبل» أن جمال بخيت أصبح له اسم خاص فى أوزبكستان بعد ذلك، هو «جمال الدين البخارى»، وتم تكريمه بسببها ٣ مرات فى ٣ مدن مختلفة.

مدحت العدل: نتعلم منه ونخاف على الفصحى بسببه
ذكر الشاعر مدحت العدل أنه فخور بكونه من جيل جمال بخيت، مؤكدًا: «هو مولانا. وفى حضرته لا نقول، بل نتعلم منه».
وأضاف العدل: «فى الماضى كانوا يخافون على اللغة العربية من عامية بيرم، والآن نحن نخاف عليها من عامية جمال بخيت»، موضحًا: «لجمال بخيت تعبيرات خاصة به، وبيننا حكايات كثيرة؛ بدأت حين كانت زوجتى متعبة وتعالج فى لندن ووجدت رسالة منه. أنا أعتز بجمال بخيت، وأهديت له قصيدة، وسعيد بأنه مولانا».

محمد فاضل:يتماهى مع الدراما
قال المخرج الكبير محمد فاضل إنه تابع الكثير من شعراء العامية، موضحًا: «تعاملت فى البداية مع الشاعرين الراحلين سيد حجاب وصلاح جاهين، وكنت أتابع كتابات جمال بخيت فى مجلة صباح الخير، واكتشفت أن شعراء العامية هؤلاء غير مدجنين ولا يميلون للسلطة، رأيتهم يتحدثون لغة الشعب ولغة الشعب ليس فيها أى نفاق». وأضاف: «شعراء العامية هم نبض الشعب. وكل التقدير طبعًا لشعراء الفصحى»، مشيرًا إلى أنه تعاون مع جمال بخيت فى أعمال كثيرة: «لا تشعر بأنه يقول شعرًا بل يتماهى مع الدراما، نسمع على الحجار يغنى كلماته فنشعر بأن المطرب ارتجلها خلال الأحداث.. وهذه ميزة الشاعر الدرامى». وأكد أن جمال بخيت شاعر وكاتب مميز، كتب مسرحيات مهمة، مثل «يمامة بيضا».

أسامة السروى: قصيدته «معلقة» بالعربية والروسية فى مكتبات موسكو
قال الدكتور أسامة السروى، المستشار الثقافى السابق لمصر فى روسيا: «أثناء عملى بموسكو استغللت إمكاناتى كنحات، وبدأت فى إعداد موسوعة فنية للتماثيل التى أجدها هناك، وصدر من الموسوعة سبعة أجزاء، وأثناء طوافى فى عام ٢٠١٧، لاحظت وجود تماثيل كثيرة لأجانب من غير الروس، ففكرت لماذا لا يكون هناك تمثال يدل على حضارتنا، خاصة أن لدينا من يستحق ذلك؟».
وأضاف: «بعد تفكير طويل، قررت أن يكون التمثال لابن خلدون، لأنه شخصية يتوافق عليها العرب، ولأنه سوف يحقق فكرة التواصل الروسى العربى، والمكان الذى تم طرحه للتمثال هو كلية الآداب فى موسكو». وتابع: «خاطبتهم هناك، فى مكتبة كلية الآداب بموسكو، وذكرت لهم ابن خلدون، وكانت هذه فرصة لإقامة حفل ودعوة سفراء عرب، وقررت أن أستفيد من أصدقائى الكبار، وتواصلت مع عدد منهم، على رأسهم الشاعر جمال بخيت، ليلقى قصيدة هناك بهذه المناسبة». واستطرد: «حين ألقى جمال بخيت قصيدته كان هناك مترجم يترجمها لمديرة المكتبة، وبعد أن انتهى قالت إنها تريد القصيدة لتكون أيقونة المكتبة، وتريد إهداءها إليها، وبالفعل ترجمت القصيدة وطبعت لها نسختان، عربية وروسية، وعلقت فى المكتبة خلال احتفالية خاصة».

خالد يوسف: بحر لا ينضب ومعين واسع جدًا تأخذ منه ولا ينتهى
أكد المخرج خالد يوسف أن جمال بخيت صديق مقرب له، مضيفًا: «أعد صداقته نوعًا من العقاب الجميل، إذ أعلم تمامًا أننى مهما قلت من كلمات، فلن أوفيه حقه».
وأضاف يوسف: «رحلتنا معًا طويلة؛ عرفته فى ثمانينيات القرن الماضى، وكنا آنذاك فى الجامعة، وهناك موقف لا يمكن أن أنساه، فوقت تأسيس الحزب الناصرى دارت معارك طاحنة ودموية، وكان الجميع يتشاجر، حينها تقدم جمال بخيت وأمسك بالميكروفون وتحدث عن ضرورة لم الشمل، وفوجئت بأن الجميع قد هدأ تمامًا. نحو ١٠٠ ألف إنسان توقفوا تمامًا عن التحدث. أسكتهم جميعًا وجعلهم يستمعون له».
وتابع: «كان جمال بخيت نموذجًا لشاعر جميل ملء السمع والبصر، كنت أتابع ندواته وأستمع لأشعاره وأصبحنا صديقين. هكذا تحولت من مريد إلى صديق. ولا أزال مريدًا رغم الصداقة. أشعر بأنه أستاذ وإمام، وأنه كما قال مدحت العدل (مولانا) فى الفنون والشعر».
وقال: «أحب دائمًا أن أستزيد منه، لأنه بحر لا ينضب ومعين واسع جدًا تأخذ منه ولا ينتهى، وأعتبر جمال مرجعية بالنسبة لى. وخلال السنوات الأخيرة اختلفنا، وبرغم اختلافنا فى تقييمنا للواقع لكننى أحب أن أسمع كلامه».
وأكمل: «تعلمت من جمال بخيت كيف أنظر لكل الأمور من زوايا مختلفة، أما عن الشعر فهو تجربة لست مخولًا للحديث عنها، لكننى من قارئيه، وأعتقد أننى أفهم كتابته جيدًا، وأقول إنه أمير شعراء هذا الزمن بلا منازع، وهو مولانا، ولا يقل عن بيرم وجاهين وحداد، ويناطحهم ويتفوق عليهم ويتفوقون عليه».












0 تعليق