في الأول من يوليو عام 1872، ولد خليل مطران في مدينة بعلبك اللبنانية، أحد أبرز رواد الشعر العربي الحديث، وعرف بلقب "شاعر القطرين" في إشارة إلى انتمائه لكل من لبنان ومصر.
لم يكن مجرد شاعر تقليدي، بل كان همزة وصل بين التراث العربي والحداثة الأوروبية، جامعا بين ثقافته الشرقية العميقة واطلاعه الواسع على الأدب الفرنسي، ما جعله صوتا متفردا في زمانه، وأبا شرعيا للتجديد في الشعر العربي.

طفولة وتكوين مبكر
نشأ مطران في بيئة ثقافية خصبة، وتلقى تعليمه في المدرسة البطريركية ببيروت، حيث درس البيان العربي على يد الأخوين خليل وإبراهيم اليازجي، ثم سافر إلى باريس لاحقا، وهناك انكب على دراسة الأدب الفرنسي وتأثر بكبار أعلامه مثل فكتور هوجو، فبدأت ملامح مدرسته الشعرية الخاصة بالتبلور، والتي مزجت بين رومانسية الغرب وبلاغة العرب.

من باريس إلى القاهرة
لم تكن رحلة خليل مطران في الشعر معزولة عن نضاله الوطني، فقد شارك في حركات وطنية مناهضة للاستعمار، وبعد إقامته في باريس، انتقل إلى مصر، حيث بدأ رحلته في الصحافة، فعمل في جريدة "الأهرام"، ثم أسس "المجلة المصرية" و"الجوانب المصرية"، وكان نصيرا للحركة الوطنية بقيادة مصطفى كامل، لم يكتف بالكتابة فقط، بل مارس الترجمة، وكان من أوائل من نقلوا أعمال شكسبير إلى العربية، بالإضافة إلى مؤلفات فيكتور هوجو وآخرين.

مدرسة مطران الشعرية
يعد خليل مطران واحدا من مجددي الشعر العربي بحق، فقد خرج عن الأغراض التقليدية كالمدح والرثاء، وقدم شعرا وجدانيا، إنسانيا، فيه لمسة فلسفية وعاطفية عميقة، ركز على تصوير المشاعر بدقة، واستخدم الخيال بحرفية، متأثرا بالمدرسة الرومانسية الفرنسية وكانت قصيدته "المساء" نموذجا لهذه المدرسة، وقد قال فيها:داءٌ أَلَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شِفَائِي
مِنْ صَبْوَتِي فَتَضَاعَفَتْ بَرَحَائِي
كما عرف بشعره القصصي والتصويري، فنقل التاريخ والحياة اليومية إلى قصائد مشهدية، مثل قصيدته «بزرجمهر» التي عبر فيها عن استبداد كسرى، وقصائد أخرى تناول فيها الفساد الاجتماعي والخلقي، متفوقا فيها على معاصريه حافظ إبراهيم وأحمد شوقي.

خصاله وشخصيته
عرف عن خليل مطران رقة الطبع والتسامح، وكان مسالما، وهي سمات انعكست في أشعاره، امتاز بصدق وجدانه ورقة إحساسه، وتجلى ذلك بوضوح في قصائده الرومانسية التي تناولت الحب بمشاعر شفافة وعذبة، مثل قوله:تَكْثُرُ الأَسْـمَـاءُ لَـكِنَّ الــمُسَمَّى هُوَ أَنْتِ
إرثه وتأثيره
لم يكن مطران مجرد شاعر، بل مؤسس لمدرسة أثرت في شعراء كبار مثل إبراهيم ناجي، وأبو شادي، وشعراء المهجر، وقد كرم في حياته، وأقيم له مهرجان كبير حضره أعلام الأدب وعلى رأسهم الدكتور طه حسين الذي خاطبه قائلًا: "أنت زعيم الشعر العربي المعاصر، وأستاذ الشعراء العرب المعاصرين."
وقد رأى فيه الباحثون نموذجا متكاملا للشاعر العربي العصري، حتى قال عنه قاسم محمد عثمان:"ما صنعه خليل مطران في الأدب لم يصنعه أدباء عصره."
كما أشاد به محمد حسين هيكل قائلا:"عاش مطران للحاضر في الحاضر وجذب جيله ليجعله حاضرا كذلك."

وفاته وإرثه الخالد
في الأول من يونيو عام 1949، أسدل الستار على حياة خليل مطران، ولكن شعره ظل حيا، يقرأ ويتأمل فيه، ويدرس للأجيال، ترك وراءه ديوانا غنيا مطبوعا في أربعة أجزاء، وترجمات لأهم أعمال الأدب العالمي، وكتابات نثرية شكلت نقطة تحول في فن المقال العربي.