ملكة الشرق.. قصة زنوبيا وتَدْمُر ومغامرتها المصرية

اليوم 7 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يوافق يوم 23 ديسمبر ذكرى ميلاد واحدة من أقوى النساء في تاريخ الشرق القديم، الملكة زنوبيا (الزبّاء)، التي وُلدت ما بين عامي 240 و245 ميلادية، لم تكتفِ هذه الملكة بحكم "تدمر" (لؤلؤة الصحراء السورية)، بل امتد طموحها الجارف لتسيطر على أجزاء واسعة من الشرق الروماني، وتتوّج إنجازاتها بحكم مصر، متحديةً بذلك إمبراطورية روما العظمى في أوج قوتها.

 

من هي الزبّاء؟.. بين التاريخ والأسطورة

عُرفت في المصادر اللاتينية باسم "زنوبيا" (سبتيميا باتزاباي)، بينما أطلق عليها العرب اسم "الزبّاء"، وتشير الروايات التاريخية إلى أن أصولها آرامية، لكن طموحها السياسي دفعها لادعاء نسب بطلمي يربطها بالملكة كليوباترا، التي اتخذتها قدوة ومثلاً أعلى.

تلقت زنوبيا تعليمًا رفيعًا في الإسكندرية، حيث أتقنت عدة لغات ودرست التاريخ والفلسفة، مما مكنها من الجمع بين الدهاء السياسي والثقافة الواسعة.

 

نشأة "محاربة" لا تعرف "الكسل الخانع"

لم تكن زنوبيا ملكة تقليدية ترفل في النعيم؛ فقد ذكر المؤرخ "الطبري" أنها تولت مسئولية قطعان العائلة والرعاة منذ صغرها، مما أكسبها صلابة الرجال. تدربت على ركوب الخيل، والصيد، واشتهرت بقدرتها الفائقة على التحمل، حتى أنها كانت تسير على قدميها مع جيوشها لمسافات طويلة، وتشرب الخمر وتجالس القادة كالرجال.

وقد وصفها المؤرخ الإنجليزي الشهير "إدوارد جيبون" في كتابه "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها" قائلاً: "ربما كانت الأنثى الوحيدة التي اخترقت بعبقريتها الفائقة الكسل الخانع الذى فرضه مناخ آسيا وأخلاقها على جنسها".

 

الطريق إلى مصر

كان غزو زنوبيا لمصر مدفوعاً بمزيج من الطموح الشخصي والضرورة الاستراتيجية، فقد سعت لتأمين طريق تجاري بديل إلى نهر الفرات الذي تأثر بالحرب مع الإمبراطورية الساسانية، ورأت زنوبيا نفسها "مثالاً للشرق"، وقارنت جمالها بآلهة الإغريق، متجاوزة قدوتها "كليوباترا" في الشجاعة والعفة، مما جعل السيطرة على مصر خطوة حتمية في مشروعها الإمبراطوري.

 

عملة الإسكندرية.. الشاهد على الصراع مع روما

شهدت العلاقة بين زنوبيا وروما تحولات دراماتيكية، ففي البداية، اعترف الإمبراطور الروماني "أوريليانوس" بابنها "وهب اللات" شريكاً له في حكم ولايات الشرق، وتوثق العملات المسكوكة في الإسكندرية تلك المرحلة، حيث ظهرت صورة أوريليانوس على وجه، وصورة وهب اللات على الوجه الآخر.

تطور الأمر في عام 271 ميلادية، حين سُكت عملة تصف وهب اللات بـ"الإمبراطور المؤله"، بينما احتلت صورة أمه زنوبيا الوجه الآخر للعملة، في إشارة واضحة للاستقلال عن روما.

 

النهاية الدرامية.. سلاسل من ذهب

تأزمت العلاقات في ربيع عام 271م، حين أعلن وهب اللات نفسه إمبراطوراً على روما كلها وليس الشرق فحسب. كان الرد الروماني قاسياً وحاسماً؛ أرسل أوريليانوس قواته التي استعادت الإسكندرية، ورغم بقاء أجزاء من مصر خارج السيطرة لفترة وجيزة، إلا أن الهزيمة كانت في النهاية من نصيب المملكة التدمرية.

سقطت زنوبيا أسيرة، واقتيدت إلى روما لتعرض في شوارعها مقيدة بسلاسل ذهبية، في مشهد يجسد نهاية حلم الإمبراطورية الشرقية. توقف سك عملتها، وحلت محلها عملة تحمل صورة أوريليانوس منفرداً، لتطوى صفحة الملكة المحاربة، وتتبقى آثارها خالدة في الشاطئ السوري، والإسكندرية، وبعلبك، شاهدة على امرأة هزت عروش القياصرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق