أكد الباحث السوري مازن بلال أن تنظيم داعش الإرهابي يعمل في المرحلة الراهنة وفق نمط مختلف عن المراحل السابقة، حيث لم يعد يعتمد على بنية هرمية واضحة أو قيادة مركزية يمكن تتبعها أو استهدافها بسهولة، بل يتحرك عبر خلايا صغيرة مرنة تستفيد من الفراغات الأمنية، ولا سيما في مناطق البادية السورية الشاسعة.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ"الدستور" أن هذا الشكل من العمل يمنح التنظيم قدرة أعلى على المناورة والبقاء، ويجعل من الصعب على القوات النظامية فرض سيطرة كاملة أو تحقيق تغطية أمنية مستدامة في تلك المساحات المفتوحة.
البادية تمثل بيئة لنشاط تنظيم داعش
وأشار بلال إلى أن البادية السورية تمثل بيئة مثالية لنشاط التنظيم، نظرًا لاتساعها الجغرافي وتعقيدها الطبيعي، من وديان ومغارات ومساحات غير مأهولة، وهو ما يسمح لعناصر داعش بالتحرك والتخفي وتنفيذ عمليات محدودة، ثم الانسحاب دون الحاجة إلى السيطرة على أرض أو إدارة مناطق سكنية.
ولفت إلى أن التنظيم يتعامل مع هذه الجغرافيا باعتبارها نقطة ارتكاز لعملياته، وليس كمساحة نفوذ تقليدية كما كان الحال خلال سنوات سيطرته على مدن وبلدات.
وأوضح الباحث السوري أن الاعتماد على المقاربة العسكرية وحدها، وخاصة عبر الضربات الجوية، لن يؤدي إلى إنهاء تهديد التنظيم بشكل جذري، بل قد يسهم فقط في تقليص قدراته مؤقتاً. وبيّن أن داعش، في وضعه الحالي، لا يمتلك نقاط تمركز ثابتة ولا هياكل سيطرة وتحكم يمكن تدميرها بشكل حاسم، ما يعني أن العمليات الإرهابية مرشحة للاستمرار بوتيرة متفاوتة، طالما استمرت الظروف التي تسمح بظهوره وإعادة إنتاج نفسه.
وشدد بلال على أن الحل الحقيقي يكمن في معالجة البيئة التي تتيح للتنظيم العمل والنمو، وليس فقط في ملاحقة عناصره ميدانيًا. وأكد أن غياب الاستقرار السياسي، واستمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وضعف الإدارة الأمنية في بعض المناطق، تشكل مجتمعة حاضنة غير مباشرة تسمح بعودة التنظيمات المتطرفة، حتى وإن فقدت قدرتها على السيطرة الواسعة. وأضاف أن التنظيم يستثمر هذه الثغرات ليقدم نفسه كقوة قادرة على إرباك المشهد الأمني، دون أن يتحمل أعباء الحكم أو الإدارة.
وتحدث بلال عن أهمية التنسيق الإقليمي والدولي في مواجهة داعش، معتبرًا أن الجهود العسكرية المشتركة قادرة على الحد من تحركاته ومنع توسعه، لكنها تظل غير كافية ما لم تترافق مع مسار سياسي يحقق قدرًا من الاستقرار الداخلي. وأشار إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن التنظيمات المتطرفة تعود للظهور كلما تعثرت الحلول السياسية، وكلما طالت حالة اللايقين والفوضى في المناطق المتأثرة بالنزاع.
وختم الباحث السوري تصريحه بالتأكيد على أن إنهاء خطر داعش لا يرتبط بزمن قصير أو بعملية عسكرية واحدة، بل يتطلب استراتيجية طويلة الأمد تقوم على إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتعزيز الأمن المحلي، وخلق بيئة سياسية واجتماعية مستقرة تقلص دوافع التطرف وتغلق المساحات التي يتسلل منها التنظيم. واعتبر أن نجاح هذا المسار هو الضمانة الحقيقية لمنع عودة التنظيم بصيغ جديدة، حتى وإن تراجع حضوره العسكري في الوقت الراهن.


















0 تعليق