ارتفاع ملحوظ في حوادث النقل المدرسي شهدها لبنان في الآونة الأخيرة ما أثار موجة قلق واسعة لدى الأهالي وفتح الباب على نقاش جدي حول سلامة الأطفال خلال انتقالهم اليومي من وإلى مدارسهم. . ورغم تكرار الحوادث، ما زالت الإجراءات الرسمية تقف عند عنوان "التشديد" و"ضبط المخالفين"، من دون خطة عملية شاملة تضع حدًا لخطر يهدد حياة الأطفال.
من الجنوب إلى جبل لبنان والشمال، سجّل العام الدراسي الحالي عددًا من الحوادث التي هزّت الرأي العام، أحدثها اليوم حيث سجّلت اصابات لطلاب كانوا في باص خلف سيارة استهدفها العدو الاسرائيلي في لبدة الطيري، بينما أصيب أمس تلاميذ جراء اصطدام فان بحافلة طلاب على أوتوستراد زحلة.
وفي صور، انقلب فان مدرسي أسفر عن إصابة أكثر من عشرة تلاميذ، وسط شهادات تحدثت عن تهالك المركبة وعدم خضوعها لصيانة فعلية.
كما انقلبت حافلة تقل تلاميذ من دون إصابات في عرمون، لكن المشهد أعاد إلى الواجهة خطر الحمولات الزائدة وسوء حال الطرقات.
وفي طرابلس، سقط تلميذ من باص في حادث كشف غياب المراقبة داخل المركبات وعدم التزام السائقين بإقفال الأبواب.
أما في بشامون، فسقطت سقوط حافلة من دون تسجيل ضحايا، لكن الحادث أكد هشاشة معايير السلامة وضعف المتابعة من الجهات المسؤولة.
هذه الحوادث وسواها من التي قد لا تصل إلى الإعلام، على اختلاف ظروفها، تشترك في نقطة واحدة وهي غياب الإجراءات الوقائية الأساسية.
تكشف هذه الحوادث المتكررة بوتيرة مخيفة ثغرات واضحة في منظومة النقل المدرسي والتي تتجاوز الأخطاء الفردية للسائقين، لتطال منظومة كاملة تعاني خللاً بنيويًا. ومن أبرز الثغرات تهالك الباصات وعدم خضوعها للمعاينة.
كما أن العديد من المدارس يخالف القانون 551/96 الذي يفرض وجود مرافق داخل كل باص لمراقبة الأطفال، وتحديد عدد الركاب، لكن معظم وسائل النقل الخاصة لا تلتزم بذلك.
وأظهرت بعض الحوادث غياب التأمين الذي يغطي إصابات التلاميذ، ما يترك الأهالي في مواجهة أعباء مالية وصحية كبيرة.
من جهتها، تكتفي وزارة التربية عادة بإصدار تعاميم بعد كل حادث، تطلب فيها من المدارس التأكد من سلامة وسائل النقل ومراقبة السائقين، كما تطالب البلديات بمتابعة الفانات العاملة ضمن نطاقها.
إلا أن هذه الإجراءات غالباً ما تبقى حبراً على ورق، في ظل غياب خطة وطنية واضحة تعالج جذور المشكلة، بينما تحذر جمعيات السلامة المرورية مثل اليازا من استمرار الفوضى، مؤكدة أن التقاعس في تطبيق القوانين سيؤدي إلى تكرار الحوادث وربما وقوع كوارث أكبر.
في العديد من المناطق، يعتمد الطلاب بشكل شبه كامل على الفانات الخاصة للوصول إلى مدارسهم، ما يضع الأهالي أمام خيارين صعبين: إمّا المخاطرة بسلامة أطفالهم، أو حرمانهم من التعليم لعدم وجود بديل. هذا الواقع يعمّق أزمة الثقة بين الأهالي والجهات الرسمية التي يفترض أن تضمن أمن أبنائهم.
إن حوادث النقل المدرسي الأخيرة ليست مجرد أحداث معزولة، بل نتيجة مباشرة لفوضى مستمرة وغياب كامل للرقابة والمحاسبة. أمن الأطفال ليس ترفًا، بل حق أساسي يجب أن تحميه الدولة بكل إمكاناتها، قبل أن تتحول هذه الحوادث إلى مآسٍ لا يمكن تداركها.










0 تعليق