سباق اغترابي مع الوقت والأرقام

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
"يللي ضرب ضرب ويللي هرب هرب". هكذا يمكن اختصار المشهدية الاغترابية، على حد قول أحد أقطاب الاغتراب العاملين على تمكين المغترب اللبناني من التصويت لنوابه الـ 128 مثله مثل أي لبنان مقيم، باعتبار أن الدستور لم يميز بين لبناني وآخر، ولا بين مغترب ومقيم. فاللبنانيون، نظريًا، هم متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات. وهذا الواقع الاغترابي، الذي فاجأ الجميع بعد الاقبال الكثيف في اليومين الماضيين، حيث وصل عدد المسجلين إلى ضعفي ما كان عليه قبل يوم الأحد الماضي، عكس رغبة "القوى السيادية"، التي أرادت أن يكون للصوت الاغترابي التأثير الايجابي في مجال إحداث التغيير السياسي المطلوب. فالحملات المكثفة، التي قامت بها "الأحزاب السيادية" في بلاد الاغتراب، لاقت تجاوبًا اغترابيًا مع هذه الرغبة فاق كل التوقعات على رغم حملات التشكيك الممنهجة والمبرمجة. وهذا ما أعطى القوى التي تطالب باعتماد الدائرة السادسة عشرة، وأن ينتخب المغتربون ستة نواب يمثلونهم في الندوة البرلمانية ذريعة، إضافية للتمسّك بالقانون الحالي النافذ. وهذا ما جعل الرئيس نبيه بري، وهو رأس حربة هذه المواجهة السياسية، "ينام على حرير" كلما اقتربت عقارب الساعة لتعانق بعضها البعض منتصف ليل يوم غد الخميس. وهذا يعني بـ "التقريش" السياسي أن لعبة الأرقام لن تؤّثر كثيرًا على تغيير المعادلات الداخلية.

Advertisement

وكانت أوساط مقربة من "عين التينة" ترّوج لمقولة بأنه  في حال بقيت أرقام التسجيل متدنية نسبيًا، فإن رئيس المجلس لن يتردّد في دعوة الهيئة العامة إلى الانعقاد ومناقشة اقتراح القانون الذي يطالب بتمكين المغتربين من التصويت لنوابهم الـ 128، إضافة إلى مناقشة مشروع قانون الحكومة، على شرط عدم تعديل مهلة التسجيل وتمديدها إلى نهاية السنة، مع ترجيح أن ينال كل من الاقتراح ومشروع القانون الأكثرية النيابية، ولكن بعد فوات الأوان، وبعد أن يكون "الثنائي الشيعي" قد أطمأن إلى أن الصوت الاغترابي لن يتمكّن من إحداث أي ثغرة في "بلوكه" النيابي، باعتبار أن الأرقام المتدنية في التسجيل الاغترابي لن تتيح لخصومه السياسيين تحقيق هذا الهدف. إلاّ أن ما شهدته الأيام الأخيرة من اقبال اغترابي الكثيف على التسجيل قد أعاد النقاش السياسي إلى مربعه الأول.

ولكن السؤال، الذي يُطرح، وبقوة، في الأوساط السياسية "السيادية"، والذي يتمحوّر حول الآلية التي ستعتمد في المرحلة التالية، وبعد العشرين من الشهر الجاري، قد يختصر المشهدية السياسية، التي تسبق يوم 15 أيار، وهو الموعد الدستوري، الذي يصرّ كل من رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة، على ألاّ يطرأ عليه أي تعديل إلاّ لسبب قاهر، أو بسبب حدث أمني أو عسكري كبير.

إلاّ أن الرهان على الصوت الاغترابي التغييري يبقى قائمًا لدى القوى "السيادية" على رغم الحصار، الذي فُرض على المادة 112 من القانون الانتخابي، وعدم الافراج عن إمكانية تعديله قبل تاريخ انتهاء مهلة التسجيل. وهذا الرهان يقوم على أساس تمكين المغتربين من المجيء بكثافة للتصويت في مدنهم وقراهم لنوابهم الـ 128، بعدما حرموا من هذا الحق حيث اقامتهم الاغترابية المؤقتة، مع خشية كثيرين من الغاء هذا الحق لسببين أساسيين. الأول هو عدم تعديل المادة 112، والثاني هو إصرار الحكومة على عدم إصدار المراسيم التطبيقية ليكون لهذه المادة المفعول القانوني الملزم. وهذان الأمران سيؤديان بطبيعة الحال إلى الغاء حق المغترب بالتصويت، وهو أمر لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام بالنسبة إلى الحالة الاغترابية، وقد يكون لعدد كبير من المغتربين تحرّك فاعل قد يتمثّل بخطوات عملية ستظهر نتائجها لاحقًا، وبالأخص في ما يتعلق بتخفيض مستوى الدعم المادي.

أمّا في الداخل فإن الضغط سيتزايد بهدف تحقيق ما لم يتحقّق قبل العشرين من الشهر الجاري، وذلك عبر العمل على تمديد تقني لموعد الانتخابات النيابية لفترة شهرين لتمكين المغتربين من التصويت بكثافة في بلدهم الأم. وهذا التدبير الاحترازي قد يجعل للصوت الاغترابي فعالية أكثر من ذي قبل، باعتبار أنه في الزمن العادي يأتي ما يقارب مليون مغترب إلى الربوع اللبنانية في اجازاتهم السنوية، فكم بالحري عندما يكون الهدف مزدوجًا.
إلاّ أن هذا الأمر لن ينطلي على الرئيس بري، الذي يعرف جيدًا أنه في 15 أيار يتعذّر على كثيرين من المغتربين المجيء إلى لبنان للمشاركة في العملية الانتخابية بسبب ارتباطاتهم المهنية والعائلية، خصوصًا أن العام الدراسي في دول الاغتراب يكون في "عزّه". من هنا فإنه من المتوقع أن تشهد الأيام والأسابيع المقبلة اشتباكًا سياسيًا تصاعديًا على خلفية السباق نحو الاكثريات النيابية، مع تمسّك "الثنائي الشيعي" بإجراء هذه الانتخابات في موعدها الدستوري.

أخبار ذات صلة

0 تعليق