بين إدماج دمشق وتجاهل بيروت.. هل أصبح لبنان خارج حسابات واشنطن؟

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
صحيح أنّ انفتاح إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على "سوريا الجديدة" بقيادة الرئيس أحمد الشرع، ليس وليد اليوم، وقد ظهر بوضوح خلال الجولة التي قام بها ترامب على المنطقة في وقتٍ سابق من هذا العام، إلا أنّ الأكيد أنّ الزيارة التي قام بها الشرع إلى واشنطن هذا الأسبوع، كانت استثنائية في كلّ تفاصيلها، ليس فقط لأنها الأولى من نوعها على الإطلاق، ولكن أيضًا بسبب السياق الذي جاءت فيه، في ظلّ إعادة تموضع إقليمي على كل المستويات.

Advertisement

 

هكذا، تقاطعت القراءات على توصيف زيارة الرئيس السوري إلى البيت الأبيض بـ"التاريخية"، ولا سيما أنّها شكّلت أول انفتاح بهذا المستوى على دمشق منذ سنوات طويلة، ووضعها كثيرون في سياق الترتيبات التي تحضَّر للمنطقة في مرحلة ما بعد حرب "طوفان الأقصى" والمعارك التي تفرّعت عنها على أكثر من جبهة، من بينها سوريا. إلا أنّ المفارقة اللافتة وسط هذه المشهديّة كانت أنّ صعود سوريا بدا في مكانٍ ما، على حساب لبنان، الذي تُرِك وحيدًا.

 

وكما في جولة ترامب إلى المنطقة، بدا لبنان مرّة أخرى "على الهامش"، فالنقاش الدولي حوله يتركّز على ترتيبات أمنية في الجنوب أكثر من تركّزه على مسار سياسي متكامل يقي البلاد من الانهيار، حتى إنّ ملف "سحب سلاح حزب الله" يبدو أكثر فأكثر شرطًا دوليًا للتعامل مع لبنان، الذي يبقى في عين العاصفة على وقع التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، فضلاً عن المؤشرات المتزايدة بانزلاق إلى مواجهة جديدة، فهل تخلى المجتمع الدولي عن لبنان بصورة أو بأخرى؟

 

إدماجٌ متدرّج لسوريا… بأي شروط؟

 

منذ وصول الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة في سوريا، بعد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، بطريقة لا تزال غامضة حتى اليوم، تتعامل واشنطن وعواصم أخرى مع دمشق الجديدة بوصفها "فرصة" لإعادة ضبط توازنات الإقليم. يتجلّى ذلك بالقرارات التي اتُخِذت في فترات زمنية سريعة، بتخفيف بعض القيود، ولكن أيضًا بما يرقى لمستوى "احتضان" الرجل أميركيًا، كما حصل خلال لقاء ترامب به على هامش جولته اليوم، وتكرّر في زيارته التاريخية إلى واشنطن.

 

يقول العارفون إنّ هذا "الاحتضان" يحمل رسائل سياسية قد يكون أهمّها "إشراك" سوريا في ترتيبات الإقليم في المرحلة المقبلة كسلطة تحاول التموضع على مسافة من المحاور، بخلاف النظام السابق، مع مقايضة أمنية-سياسية تتعلق بالحدود واللاجئين والاستقرار الإقليمي. إلا أنّ هذا الإدماج ليس مجانيًا، حيث يدور الحديث عن مقاربة "خطوة مقابل خطوة"، بمعنى أنّ سوريا تحصل على تسهيلات مقابل التزام أمني تقدّمه في ملفات عدّة، على رأسها ضبط الحدود.

 

بهذا المعنى، تبدو سوريا "شريكًا وظيفيًا" في منع الانزلاق إلى مواجهات أوسع، وهو ما يفسّر سرعة فتح القنوات معها قياسًا إلى ملفاتٍ أخرى معلّقة في المنطقة. ولا يقع مثل هذا الاستنتاج في خانة التحليل فقط، بدليل تصريح المبعوث الأميركي توم براك الذي قال فيه إنّ سوريا "ستساعدنا في مواجهة داعش والحرس الثوري الإيراني وحماس وحزب الله"، وعلى حدّ قوله، وهو الذي تحدّث عن "تحوّل ملحوظ" لسوريا التي تنتقل من "العزلة" إلى "الشراكة".

 

أي انعكاسات على لبنان؟

 

انطلاقًا من زيارة الشرع لواشنطن وما حملته من إشارات، قد يكون السؤال عن الانعكاسات المحتملة على لبنان بديهيًا، ولا سيما أنّ براك أقحم لبنان بصورة أو بأخرى، بوضعه سوريا الجديدة في مواجهة مباشرة مع "حزب الله". لكن، بمعزل عن مدى دقّة مثل هذا الحديث، ثمّة من يخشى أن يكون هناك من يريد إعادة الملف اللبناني إلى البوابة السورية، باعتبار أنّه كلّما تقدّم مسار ترتيب العلاقة الأميركية–السورية، تراجعت أولوية "الملف اللبناني" كملفٍ مستقلّ بذاته، ما يترك انطباعًا بأنّ لبنان أصبح عمليًا خارج الحسابات.

 

لكن على الأرض، لا يزال لبنان في صدارة المشهد، ولا سيما أنّ جبهته لا تزال ملتهبة، رغم مرور عام على اتفاق وقف إطلاق النار الذي لم تُطبّقه إسرائيل بل إنّ وتيرة الخروقات والاعتداءات تصاعدت في الآونة الأخيرة، لدرجة قرع بعض المسؤولين الإسرائيليين "طبول الحرب"، التي باتت توصَف بـ"المعركة الأخيرة" في الإعلام العبري، الذي يكاد يذهب حدّ الجزم بأنها أضحت "مسألة وقت" لا أكثر.

 

بالتوازي مع كلّ ذلك، ثمّة مسارات تُرصَد تعمل لتفادي الحرب، ولو أنّها تجري بلا أيّ ضمانات، ومن هذه المسارات على سبيل المثال لا الحصر، مسار التفاوض "المدروس" الذي يطرحه رئيس الجمهورية جوزاف عون، على قاعدة استعادة الحقوق بدل الانجرار إلى منطق القوّة المفتوحة، وهو مسار لا يزال يصطدم بموقف "حزب الله" غير الواضح، ولكن أيضًا بموقف إسرائيل التي يبدو أنّها تريد "فرض" نزع السلاح شرطًا للجلوس على الطاولة في المقام الأول.

 

خلاصة الصورة أنّ واشنطن وعواصم مؤثّرة تمضي في إدماج سوريا الجديدة على قاعدة خطوات أمنية وسياسية متبادلة، فيما يُطلَب من لبنان نتيجة أمنية سريعة في الجنوب من دون شبكة ضماناتٍ مُلزِمة توقف الخروقات أو تفتح مسارًا سياسيًا متوازنًا.

بهذا المعنى، لا تبدو المسألة "تخلّيًا" بقدر ما هي إعادة ترتيب أولويات تُقدّم الاستقرار الإقليمي العاجل على تسوية لبنانية متكاملة. ومعيار الجدية هنا يقوم على ثلاثة عناصر واضحة: آلية مُلزِمة لوقف إطلاق النار، ومسار تفاوض محدّد بجدول زمني، وفصل الملف اللبناني عن أي مقايضات إقليمية.

من دون هذه العناصر سيبقى لبنان في منطقة رمادية تُدار بالحدّ الأدنى؛ ومعها فقط يمكن لبيروت أن تعود إلى داخل الحسابات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق