لم يعد الحديث عن الغاز الطبيعي في مصر مجرد أرقام تُذكر في تقارير رسمية، بل تحوّل إلى قصة صعود اقتصادي واستراتيجي تعكس قدرة الدولة على قلب المعادلات الصعبة، فبعد سنوات من التحديات وضغوط التناقص الطبيعي في الإنتاج، بدأت القاهرة تفتح صفحة جديدة في ملف الطاقة، واضعة نصب أعينها هدفًا واضحًا: استعادة الزخم، تحقيق الاكتفاء الذاتي، والانطلاق نحو دور إقليمي أكثر تأثيرًا في سوق الغاز.
إعلان رسمي لمرحلة جديدة
في هذا السياق، جاء الاجتماع الموسع الذي عقده المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، مع قيادات كبرى شركات البترول العالمية العاملة في مصر، بمثابة إعلان رسمي لمرحلة جديدة.
ملامح الخطة الخمسية الشاملة للبحث والاستكشاف والإنتاج
الاجتماع، الذي حضره كبار مسؤولي قطاع البترول، كشف عن ملامح الخطة الخمسية الشاملة للبحث والاستكشاف والإنتاج، والتي تمثل حجر الأساس في استراتيجية الدولة لإعادة بناء قطاع الطاقة على أسس أكثر صلابة واستدامة.
وأكد الوزير أن الخطة تستهدف في المقام الأول تحقيق الاكتفاء الذاتي من البترول الخام، بالتوازي مع الاستمرار في رفع معدلات إنتاج الغاز الطبيعي، باعتباره عنصرًا حيويًا في تأمين احتياجات السوق المحلي ودعم النمو الصناعي.
رحلة صعود تدريجية أوصلت الإنتاج الحالي إلى نحو 4.2 مليار قدم مكعب يوميًا
ووفقًا للبيانات المعلنة، نجحت مصر بالفعل في وقف التراجع الذي شهده إنتاج الغاز خلال السنوات الماضية، لتبدأ رحلة صعود تدريجية أوصلت الإنتاج الحالي إلى نحو 4.2 مليار قدم مكعب يوميًا.
هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة تعاون استراتيجي مثمر بين الدولة وشركائها الدوليين، إلى جانب تبني سياسات أكثر مرونة لجذب الاستثمارات، وتطبيق حلول تكنولوجية متطورة في عمليات الحفر والإنتاج. ويمثل هذا التعاون نموذجًا عمليًا لكيفية تحويل التحديات إلى فرص، خاصة في قطاع يتأثر بشدة بعوامل السوق العالمية والتقلبات الجيوسياسية.
وفي إطار الرؤية الأوسع، شدد وزير البترول على أهمية التوسع في صناعات القيمة المضافة، وعلى رأسها البتروكيماويات وصناعة الأسمدة، فضلًا عن تعزيز قدرات تصدير الغاز الطبيعي المسال. ويهدف هذا التوجه إلى تحقيق عوائد اقتصادية أعلى، مع تقليل الضغط على فاتورة الاستيراد، وصولًا إلى مرحلة يتوافر فيها فائض إنتاجي يسمح بتعظيم الاستفادة الاقتصادية من موارد الغاز.
كما استعرض الاجتماع الجهود المبذولة للتغلب على التناقص الطبيعي في الإنتاج، وتحقيق الاستقرار في معدلات الإنتاج اليومية، تمهيدًا لزيادتها بشكل مستدام.
وأشاد ممثلو شركات الطاقة العالمية بالخطوات التي اتخذتها وزارة البترول لتحسين مناخ الاستثمار، مؤكدين أن اعتماد نماذج استثمارية أكثر مرونة يمثل عامل جذب رئيسي لرؤوس الأموال الأجنبية، ويعزز ثقة المستثمرين في السوق المصرية.
وتسير الحكومة، بالتوازي مع ذلك، على مسار طموح لتحديث الاستراتيجية الوطنية للطاقة، بهدف الوصول بنسبة مساهمة الطاقة المتجددة إلى 42% من توليد الكهرباء بحلول عام 2030، بما يحقق مزيج طاقة متوازنًا وأكثر استدامة.
كما وضعت الدولة برنامجًا استكشافيًا مكثفًا يشمل حفر نحو 480 بئرًا باستثمارات تُقدّر بنحو 5.7 مليار دولار خلال خمس سنوات، في خطوة تعكس جدية التوجه نحو تعزيز الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وبهذه التحركات المتكاملة، تكتب مصر فصلًا جديدًا في قصة الغاز، عنوانه التحول من مرحلة التراجع إلى الاستقرار، ثم الانطلاق بثبات نحو زيادة الإنتاج وتعزيز المكانة الإقليمية في سوق الطاقة.














0 تعليق