رحب الدكتور علي جمعة بالضيوف المشاركين في مؤتمر كلية دار العلوم الدولي، “الاستشراق والهوية”، متوجهًا بالشكر لإدارة الكلية والقائمين على المؤتمر على هذه الدعوة الكريمة، مؤكدًا أن التمسك بالهوية يظل ركيزة أساسية في التعامل مع القضايا الفكرية الكبرى.
علي جمعة: موقفنا من الاستشراق ليس رفضًا ولا قبولًا مطلقًا بل تمسكًا بالهوية
وأكد “جمعة” أن اللغة والفكر وجهان لعملة واحدة، مشيرًا إلى أن الاستشراق نشأ في سياق تاريخي لا يرتبط بالعالم الإسلامي من حيث المنشأ، بل ارتبط بقيام دول قوية في مقدمتها الدولة العثمانية، التي قدمت خدمات كبيرة للمسلمين وأسهمت في بناء حضارة ممتدة.
وأوضح أن الاستشراق نشأ في بداياته مرتبطًا بأهداف تبشيرية، ثم استُخدم لاحقًا من قِبل الاستعمار الذي وظّفه كأداة للهيمنة ونهب الثروات، معتبرًا أن الاستعمار في جوهره «طغيان وسرقة للثروات»، استغل المعرفة الاستشراقية استغلالًا قبيحًا في السيطرة وجمع المعلومات.
وأشار إلى أن الاستشراق، رغم ذلك، لم يكن مسارًا واحدًا، إذ استفاد منه المسلمون أنفسهم في مراحل لاحقة في بناء الحضارات وتطوير المعرفة، لافتًا إلى أن الموقف العلمي الرشيد يقتضي التمييز بين المسارات والأهداف.
وتوقف “جمعة” عند تجربة المفكر إدوارد سعيد، موضحًا أنه حين ألّف كتابه عن الاستشراق وانتشر مترجمًا إلى العربية، أشار إلى أن كثيرًا من المستشرقين كانوا يعتمدون على الكتب أكثر من اعتمادهم على المعايشة والاختلاط بالمجتمعات التي يدرسونها.
وذكر أنه حين أقام في مصر أكثر من خمس سنوات، وكان له معلم من الأزهر الشريف، حيث ألف وترجم عددًا كبيرًا من الكتب بطريقة علمية منضبطة، وصدرت أعماله في ثمانية مجلدات طُبعت في عهد الملكة فيكتوريا بعد وفاته، ثم أُعيد طبعها لاحقًا في مجلدين، واصفًا إياه بأنه كان منصفًا في طرحه، «لا يسب ولا يلعن، ووقف دون أحكام مسبقة بعدالة وإنصاف»، كما ترجم «ألف ليلة وليلة» بدافع البحث العلمي.
وأكد علي جمعة أن موقفنا من الاستشراق ليس رفضًا تامًا ولا قبولًا مطلقًا، وإنما موقف يقوم على التمسك بالهوية مع الوعي النقدي، موجّهًا الشكر في ختام كلمته لكلية دار العلوم، قائلًا: «إن هذه الدار أخرجت من يقفون في وجه التلاعب باللغة العربية، ويحفظون لها مكانتها ودورها الحضاري».

















0 تعليق