كشف المحلل السياسي والدبلوماسي السابق نعمان توفيق العابد من خلال تصريحاته الخاصه، عن معالم المشهد الحقيقي لما يجري خلف كواليس اتفاق شرم الشيخ، محذرًا من أن المرحلة الثانية «لن تنطلق» ما لم يتحقق توافق فلسطيني شامل بين جميع الفصائل، ومؤكدًا أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تعمل على فرض «وقائع جديدة» في غزة لعرقلة أي مسار سياسي قائم على الانسحاب الكامل.
لا مرحلة ثانية دون وحدة فلسطينية
وصرح العابد، لتحيا مصر، إن الشرط الأول والأساسي لبدء المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ هو التوافق الداخلي بين (الفصائل الفلسطينية) كافة دون استثناء، مشددًا على أنه «لا يُقبل أن تتغيب أي جهة» عن الاجتماعات التي تهدف إلى توحيد الجهود وصياغة موقف فلسطيني موحّد.
وأكد الدبلوماسي السابق من خلال تصريحاته الخاصه، أن أي تفرد في القرار الوطني مرفوض تمامًا، لأن المرحلة المقبلة تتطلب موقفًا موحدًا يمثل الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، مضيفًا أن الانقسام يُعدّ «أكبر الذرائع» التي يستخدمها الاحتلال لإجهاض أي تقدم سياسي.
الاحتلال يفرض الخط الأصفر.. ومخططات لابتلاع الأرض
وفي سياق متصل، حذّر العابد لتحيا مصر من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يحاول فرض خط أصفر في قطاع غزة، في إطار خطة أشمل تهدف إلى ترسيخ أمر واقع جديد على الأرض.
وأوضح أن هذه الخطوة ليست وليدة اللحظة، بل تأتي ضمن سياسة حكومة بنيامين نتنياهو التي «عملت لسنوات طويلة على التوسع والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية»، سواء قبل أو بعد السابع من أكتوبر.
وأشار نعمان العابد، إلى أن الرفض الصادر عن مكتب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بشأن هذا الخط يأتي كدليل واضح على عدم شرعية الإجراءات الإسرائيلية، لكنه شدد على أن إسرائيل «لا تكترث» غالبًا بمثل هذه الإدانات الأممية.
استحقاقات المرحلة الثانية واضحة.. وإسرائيل لم تنفّذ المرحلة الأولى
وكشف العابد لتحيا مصر، أن جميع الفصائل الفلسطينية قد التزمت بكل ما طُلب منها ضمن استحقاقات المرحلة الثانية، ولم يتبقَّ — حسب قوله — سوى العثور على جثة جندي إسرائيلي محتجز لدى المقاومة التي ما زالت تبحث عنه رغم المعوقات الكبيرة التي يفرضها الاحتلال.
وأضاف أن متطلبات المرحلة الثانية «باتت واضحة»، لكن المشكلة تكمن في أن إسرائيل لم تفِ حتى الآن بمتطلبات المرحلة الأولى، وفي مقدمتها إدخال المساعدات الإنسانية بشكل طبيعي ومنتظم عبر المعابر الدولية، وخاصة معبر رفح الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال بالكامل منذ عملية الاجتياح الأخيرة.
وأكد الدبلوماسي السابق من خلال تصريحاته الخاصه، أن نهج دولة الاحتلال قائم على فرض وقائع جديدة ثم التفاوض عليها، وليس التفاوض على ما تم الاتفاق عليه، وهو ما ينسف جوهر اتفاق شرم الشيخ القائم على انسحاب كامل لجيش الاحتلال من قطاع غزة.
تجاهل إسرائيلي صارخ للأمم المتحدة
وأشار العابد لتحيا مصر، إلى أن دولة الاحتلال لم تُعر أي اهتمام للإدانات الأممية، مستشهدًا بحادثة( اقتحام) قوات الاحتلال لمقر وكالة الأونروا في القدس الشرقية قبل يومين فقط، حيث تم إنزال علم الأمم المتحدة ورفع علم الاحتلال مكانه.
وقال إن هذا التصرف يُثبت أن حكومة نتنياهو «لا تأبه إطلاقًا» للمنظومة الدولية ولا تُظهر أي احترام لقراراتها أو لرموزها، مما يجعل تنفيذ أي اتفاق مرتبط بالضغط الدولي المباشر.
مسؤولية التنفيذ تقع على عاتق الضامنين
وأكد الدبلوماسي السابق أن الدور الأكبر الآن يقع على عاتق الدول الضامنة للاتفاق، وفي مقدمتها: الولايات المتحدة الأمريكية، مصر، قطر، تركيا
موضحًا أن هذه الدول هي التي وضعت توقيعها كضامن رئيسي للاتفاق، وأن عليها ممارسة ضغط واضح وصريح على حكومة نتنياهو لإجبارها على تنفيذ المرحلة الأولى قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية.
إسرائيل تغيّر قواعد اللعبة… والمستقبل السياسي لاتفاق غزة مهدد دوليًا
تجمع تحليلات الخبراء الدوليين وتقارير الصحافة العالمية على أن سياسة فرض الوقائع التي تتبعها حكومة نتنياهو باتت العامل الأكثر خطورة على مستقبل اتفاق غزة.
صحف مثل واشنطن بوست والجارديان وهآرتس تشير بوضوح إلى أن إسرائيل تسعى إلى: تغيير الخريطة الجغرافية لقطاع غزة قسرًا، وإعادة رسم خطوط السيطرة العسكرية قبل أي مفاوضات، والعمل على خلق واقع جديد يجعل الانسحاب الكامل شبه مستحيل، فضلاً عن استخدام الحصار الإنساني كورقة ضغط سياسية، وإطالة أمد الصراع لضمان بقاء حكومة نتنياهو
ويرى باحثون في مراكز دولية مثل International Crisis Group أن (الخط الأصفر)، والتحكم في المعابر، ومنع دخول المساعدات، والعمليات العسكرية المحدودة داخل غزة، كلها خطوات تهدف إلى إعادة إنتاج نموذج الضفة الغربية داخل القطاع عبر تقسيمات أمنية وجغرافية جديدة.
وفي المقابل، يؤكد خبراء القانون الدولي أن إسرائيل تضع نفسها في مواجهة مباشرة مع الأمم المتحدة بعد اقتحام مبانيها وإنزال علمها، معتبرين أن هذه الخطوة «تنتزع الشرعية» من أي مسار تفاوضي تدّعي إسرائيل الالتزام به.
وتحذر منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي من أن استمرار هذا النهج سيجعل أي اتفاق سياسي مجرد حبر على ورق ما لم يتم فرض آليات دولية ملزمة تضمن:
الانسحاب الكامل، وإدخال المساعدات دون عوائق، ومنع فرض أي خرائط جديدة داخل غزة، واحترام الولاية القانونية للأمم المتحدة
وبذلك، يصبح مصير اتفاق غزة مرتبطًا بشكل مباشر بقدرة الضامنين على كبح التوسع الإسرائيلي، وضمان الالتزام بما تم توقيعه، وليس بما يحاول الاحتلال فرضه على الأرض.


















0 تعليق