ما الذي تبقّى من مشروع أندريه مالرو الثقافي اليوم؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يُعد أندريه مالرو (3 نوفمبر 1901م باريس - 23 نوفمبر 1976) الذى تحتفي المؤسسات الثقافية الفرنسية والعالمية اليوم بذكرى وفاته أحد أبرز الوجوه التي طبعت الحياة الثقافية في فرنسا خلال القرن العشرين، ليس فقط بصفته روائيًا ومفكرًا صاحب تأثير عالمي، بل باعتباره أول وزير للثقافة في تاريخ الجمهورية الخامسة. 

منذ تعيينه عام 1959 على يد الجنرال شارل ديجول، أحدث مالرو نقلة نوعية في مفهوم الثقافة ودورها داخل المجتمع، واضعًا أسس سياسة ثقافية ما تزال فرنسا تستند إليها حتى اليوم.

كانت رؤية مالرو واضحة - الدولة شريك أساسي في صناعة الوعي، وليست مجرد جهة إدارية تدير المتاحف والمسارح-؛ لذلك عمل على نقل الثقافة من المركز إلى الأطراف. فأسس دور الثقافة في المدن والضواحي، ووجَّه تمويلًا ضخمًا نحو صيانة التراث الوطني، وأطلق برامج واسعة لإتاحة الفنون للجميع، لا للنخب وحدها. وبفضله، أصبحت الثقافة جزءًا من الحياة اليومية للمواطن الفرنسي، ومكوّنًا راسخًا في هوية الجمهورية.

كما اعتبر مالرو أن الفن «ضرورة روحية» تُحرّر الإنسان من العزلة والعبث، وأن الثقافة قادرة على بناء مواطن ناقد وواعٍ.

 لذلك سعى لترسيخ ما وصفه بـ«الديمقراطية الثقافية»، عبر دعم الفنون الحديثة، وحماية التراث، وإعادة الاعتبار للمتاحف باعتبارها فضاءات للمعرفة الجماعية.

يرى عدد من الباحثين أن البنية المؤسسية التي وضعها مالرو ما تزال قائمة، وأن فرنسا لا تزال واحدة من الدول القليلة التي تمنح الثقافة موقعًا مركزيًا في سياساتها العامة. 

فالميزانيات الضخمة المخصصة للمتاحف والسينما والمسرح تمتد جذورها إلى سياسة مالرو الأولى، كما أن مفهوم «حق الجميع في الثقافة» ما زال يشكّل محورًا في الخطاب الرسمي.

لكن آخرين يشيرون إلى أن التحديات الحديثة من هيمنة المنصات الرقمية إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية جعلت النموذج المالروي بحاجة إلى تحديث عميق. ويؤكد هؤلاء أن فرنسا تُواجه اليوم سؤالًا جديدًا: كيف يمكن تجديد المشروع الثقافي ليظل شاملًا في عصر تتسارع فيه الأسواق والتقنيات؟

ورغم هذا الجدل، يظل إرث مالرو حيًا في الواقع الثقافي الفرنسي: دولة ترى الثقافة جزءًا من مشروعها الحضاري، ومجتمعًا يعتبر الفنون حقًا عامًا لا امتيازًا. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق