الأحد 23 نوفمبر 2025
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
العالم
بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يواجه معارضة غير متوقعة داخل حركته "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا"، مع تحذير مسؤولين جمهوريين من برلمانات الولايات حتى الكونجرس، من أن دعمه الواسع لازدهار صناعة الذكاء الاصطناعي قد يهدد الأمن الاقتصادي للأمريكيين ويعرض أبناءهم لمخاطر جديدة.
واتجه ترامب إلى تعيين مستثمرين ورواد أعمال مؤثرين في قطاع التكنولوجيا في مناصب رئيسية داخل إدارته، مع تأييد طموحات القطاع في الذكاء الاصطناعي، وإلغاء لوائح كان الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قد أقرها، إلى جانب تسهيل تدفق استثمارات ضخمة من شركات وحكومات أجنبية إلى شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية.
وخلال الأسبوع الجاري، بحث البيت الأبيض إصدار أمر تنفيذي لإبطال تنظيمات الولايات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، بينما يتفاخر ترامب بالاستثمارات التي تتدفق إلى هذا القطاع باعتبارها دليلًا على نجاح خطته لإعادة تشغيل الاقتصاد الأمريكي.
لكن مجموعة متنامية من الجمهوريين، من بينهم حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، وحاكمة أركنساس سارة ساندرز، والسيناتور جوش هاولي، بدأت تعارض هذا التوجه، معتبرة أن النمو السريع للذكاء الاصطناعي قد يهدد الجاذبية الشعبية للحزب، بحسب ما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وطالب بعضهم بفرض ضوابط لحماية الأمريكيين من فقدان الوظائف بسبب الأتمتة، ومنع الأضرار التي قد يتعرض لها المراهقون من تطبيقات الدردشة، والحد من ارتفاع فواتير الكهرباء الناتج عن مراكز البيانات الضخمة التي تشغل تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويعكس هذا الانقسام خطا فاصلا داخل تحالف ترامب، الذي حاول دائما الجمع بين قاعدة الناخبين من الطبقة العاملة من جهة، ودعم طموحات قادة التكنولوجيا والأعمال المقربين من الرئيس في ولايته الثانية من جهة أخرى.
وتزداد حدة هذا التوتر مع تدفق أموال الذكاء الاصطناعي إلى الاقتصاد، بينما لا يزال كثير من الأمريكيين يعانون من ارتفاع التكاليف اليومية، وهو ما جعل رسالة ترامب الاقتصادية تجد صعوبة أحيانا في التوفيق بين الجانبين.
وقالت أنجيلا باكستون، عضو مجلس الشيوخ في تكساس، التي ساعدت في تمرير قانون يحظر استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى إباحي للأطفال،: "نحن مقبلون على فترة مذهلة من الابتكار، لكن في الوقت نفسه، سوق العمل سيتغير كثيرا، والناس يتساءلون: ماذا يعني ذلك لأسرتي؟"، فيما رفض متحدث باسم البيت الأبيض التعليق.
ورغم أن توقعات زيادة الإنتاجية بسبب أدوات الذكاء الاصطناعي أدت لارتفاعات قياسية في أسهم التكنولوجيا، فإن كثيرا من الأمريكيين يشعرون بالقلق، ووفقا لمسح لمركز "بيو" في يونيو الماضي، قال نصف البالغين إنهم أكثر قلقا من متحمسين تجاه انتشار الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية، وفي عام 2021، كانت النسبة 37%.
وكشف بحث من جامعة "ييل" الأمريكية، الشهر الماضي، أنه لا توجد أدلة واضحة على أن الذكاء الاصطناعي أحدث اضطرابا واسعا في سوق العمل، لكن رؤساء شركات كبار، في وولمارت وأمازون، حذروا الموظفين من تغييرات قد تطال وظائفهم، كما ظهرت مؤشرات على تباطؤ سوق العمل مؤخرا.
وكان بايدن قد دعم بدوره تطوير الذكاء الاصطناعي، لكنه سعى لاحتواء مخاطره، فأصدر أمرا تنفيذيا واسعا عام 2023 ألزم الوكالات الاتحادية باستخدام التقنية، وطالب الشركات بمشاركة بيانات اختبارات السلامة للأنظمة المتقدمة مع الحكومة، الأمر الذي أثار معارضة داخل القطاع، ودفع كثيرين فيه لدعم حملة ترامب. وما إن عاد ترامب إلى السلطة، حتى ألغى أمر بايدن في يومه الأول.
وفيما تستعد واشنطن لنهج أكثر تحررا، تواصل عدة ولايات سنّ قوانين تنظم الذكاء الاصطناعي، من حماية المبلغين في كاليفورنيا، إلى حظر استخدامه لاتخاذ قرارات الرعاية الاجتماعية في تكساس، وصولا إلى منع أي محاولة للزواج من نظام ذكاء اصطناعي في أوهايو، وغالبا ما جاءت هذه التشريعات بدعم من الحزبين.
كما دعا ديمقراطيون فيدراليون إلى موقف متشدد، حيث اقترح السيناتور مارك كيلي فرض ضريبة على أرباح شركات الذكاء الاصطناعي لتمويل برامج إعادة تأهيل العمال، بينما حذّر بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز من أن الذكاء الاصطناعي قد يزيد فجوة الثروة، وقالت النائبة الديمقراطية سارة جاكوبس: "التعامل مع التكنولوجيا ليس أمرا موحدا.. لا في تحالف الجمهوريين ولا في تحالفنا"، مضيفة: "المشهد السياسي أحيانا يكون دائريا".
ويرى جمهوريون معارضون لنهج ترامب أن اندفاعه خلف شركات التكنولوجيا يضعه في مواجهة مع قاعدته الشعبية، وقال بريندان ستاينهاوزر، الاستراتيجي المحافظ الذي أسس تحالفا لحماية الذكاء الاصطناعي: "يمارس عليه الضغط مجموعة صغيرة من أثرياء التكنولوجيا الذين سيجنون مئات المليارات، لكن هؤلاء ليسوا قاعدته، قاعدة ماغا ليست مع هذا التوجه".
وتفاقم الانقسام هذا الأسبوع بعدما دعت إدارة ترامب الكونجرس لتمرير قانون يمنع الولايات من سنّ قوانين الذكاء الاصطناعي، حتى لو استدعى الأمر إلحاقه بموازنة الدفاع، وكانت محاولة مشابهة من السيناتور تيد كروز قد فشلت الصيف الماضي بعد تراجع جمهوريين آخرين.
ومع تصاعد المعارضة لهذا التحرك، لوّح البيت الأبيض بأمر تنفيذي يوجّه وزارة العدل لمقاضاة الولايات التي أقرت تشريعات متعلقة بالذكاء الاصطناعي، وكتب ترامب، عبر منصته "تروث سوشيال"،: "الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يجعل الاقتصاد الأمريكي الأكثر سخونة عالميا، لكن الإفراط في تنظيم الولايات يهدد هذه المحركات الكبرى للنمو".
ورد سياسيون جمهوريون على مستوى الولايات والفيدراليين، ومعهم ناشطون ومحافظون وإعلاميون، بأن هذا التوجه يمثل هدية لقطاع التكنولوجيا ويتعارض مع مخاوف الناخبين، وفي مؤتمر صحفي بفلوريدا، شبّه ديسانتيس هذه التحركات بمحاولات فرض الكمامات خلال جائحة كورونا، قائلا إن الشركات التكنولوجية الكبرى تمثل تهديدًا للحريات بسبب نفوذها الهائل، متعهدا بطرح "حزمة قوية" من قوانين الذكاء الاصطناعي، ومحذرا من فقاعة اقتصادية محتملة إذا لم يحقق الذكاء الاصطناعي الوعود الضخمة التي يطلقها البعض.
كما عبّر حاكما أركنساس ويوتا عن معارضتهما لمحاولات البيت الأبيض الحد من سلطة الولايات في تنظيم الذكاء الاصطناعي، وكتب حاكم يوتا سبنسر كوكس: "لقد أخطأنا من قبل حين سمحنا لشركات التواصل الاجتماعي بتدمير الصحة النفسية لأطفالنا، لا نريد تكرار الخطأ"، ورفعت عدة أسر دعاوى قضائية تتهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي بالتسبب في أزمات نفسية أو دفع المراهقين إلى إيذاء أنفسهم.
وقالت باكستون إن الناخبين يتحدثون بشكل متزايد عن مخاوفهم من الذكاء الاصطناعي، ويتوقعون من المشرعين التحرك، وأضافت: "ما لا يريده الناس هو تقييد الولايات ومنعها من التصدي لأضرار حقيقية تحدث بالفعل، التحرك لمنع قوانين الولايات سيخلق فوضى حقيقية"، مؤكدة أنها تعمل على إعداد المزيد من التشريعات في تكساس لحماية الأطفال من مخاطر الذكاء الاصطناعي.
ومنذ اليوم الأول في ولايته الثانية، أظهر ترامب دعما كاملا لصناعة الذكاء الاصطناعي، مستضيفا شخصيات تقنية بارزة في البيت الأبيض، من بينها سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، لمناقشة خطط ضخ استثمارات بمئات المليارات في مراكز البيانات، ويقود مستشار ترامب التكنولوجي الأبرز، ديفيد ساكس، جهودا لتقريب وادي السيليكون من البيت الأبيض.
وزار عدد كبير من قادة التكنولوجيا البيت الأبيض معلنين عن استثمارات ضخمة، فيما قدمت إدارة ترامب دعما للقطاع عبر رفع قيود تصدير الرقائق، وتسريع بناء مراكز البيانات، وتقديم ضمان قرض بقيمة مليار دولار لإعادة تشغيل محطة "ثري مايل آيلاند" النووية لتزويد مراكز بيانات مايكروسوفت بالكهرباء.
ويؤكد قادة القطاع أن الاستثمارات العملاقة في الذكاء الاصطناعي ستخلق آلاف الوظائف وتعزّز قدرة الولايات المتحدة على منافسة الصين، وستتيح اختراقات علمية وطبية مستقبلا.
لكن ستاينهاوزر يرى أن الناخبين المؤيدين لترامب قادرون على التمييز بين الوعود الواقعية وتلك التي يطلقها بعض رواد التكنولوجيا، مشيرا إلى تصريحات إيلون ماسك بأن الروبوتات "ستقضي على الفقر"، وقال: "البعض يعد بالمدينة الفاضلة، لكن الناس لا يصدقون ذلك".











0 تعليق