"وول ستريت جورنال": حملة غربية فاشلة لإبعاد منجم للمعادن النادرة عن أيدي الصين

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
"وول ستريت جورنال": حملة غربية فاشلة لإبعاد منجم للمعادن النادرة عن أيدي الصين

الأحد 23 نوفمبر 2025

رئيس التحرير

داليا عبدالرحيم

العالم

الأحد 23/نوفمبر/2025 - 05:38 م
المعادن النادرة
المعادن النادرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

سلطت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية الضوء على فشل محاولات اعتماد الغرب على الصين في الحصول على المعادن النادرة من خلال أحد المشروعات التعدينية في أفريقيا؛ ما يعكس مدى إحكام بكين سيطرتها على سوق المعادن الحيوية عالميًا.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، في تقرير اليوم، أن فشل شركة "بيك رير إيرثس" الأسترالية في بناء سلسلة توريد خالية من النفوذ الصيني، يكشف سيطرة بكين على إنتاج المعادن النادرة، وهي الهيمنة التي توظفها حاليًا كورقة ضغط في صراعها التجاري مع الولايات المتحدة والتي قد استخدمته بالفعل كسلاح خفض الإمدادات لانتزاع تنازلات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الحرب التجارية.
وتأتي صفقة بيع "بيك" إلى عملاق المعادن الصيني "شينجه" خلال الخريف الماضي ضمن سلسلة من الاستحواذات تتوقع مؤسسة "بنشمارك مينرال" لتحليل الأسواق أنها ستجعل الصين، بحلول عام 2029، المتلقي الوحيد لكل المعادن النادرة المستخرجة من تنزانيا، أحد أهم المصادر الصاعدة لهذه العناصر.
ويقارن بعض الخبراء هذا الوضع بسيطرة بكين الحالية على إنتاج الكوبالت في جمهورية الكونغو الديموقراطية، حيث قالت جرايسلين باسكاران، خبيرة المعادن الحيوية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن ما حدث يمثل "خسارة استراتيجية كبيرة"، مضيفة أن هذه الخطوة "تعزز القوة السوقية للصين وتزيد قدرتها على زعزعة سوق شديد الهشاشة".
ومع تضييق الصين إمدادات المعادن النادرة للعالم منذ بداية العام، اندفعت الدول الغربية إلى البحث عن مصادر بديلة يمكن تطويرها سريعًا، لتكتشف أن الشركات الصينية استحوذت بالفعل على العديد من أبرز مواقع التعدين الواعدة للمعادن النادرة والليثيوم والنيكل وغيرها.
وفي عام 2010، اكتشفت شركة "بيك" أحد أفضل رواسب المعادن النادرة في العالم داخل تنزانيا، وكانت تخطط لتكرير الخام في المملكة المتحدة بعيدًا عن المصانع الصينية، في مشروع متكامل خارج آسيا.
لكن الصين كانت قد سبقت الجميع وسيطرت على معظم مناجم المعادن النادرة الكبرى عالميًا، ومع ضخها كميات ضخمة في الأسواق بأسعار منخفضة، واجهت الشركات الغربية صعوبة في جمع التمويل اللازم لافتتاح مناجم جديدة، وتراكمت السنوات دون تقدم.
وبحلول عام 2019، حاول الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك، روكي سميث، الحصول على دعم حكومي أجنبي لتطوير المنجم. وجاءت هذه المحاولة في وقت حساس، إذ كانت الحرب التجارية بين واشنطن وبكين في ذروتها، وألمحت وسائل الإعلام الصينية الرسمية حينها إلى إمكانية استخدام المعادن النادرة كسلاح اقتصادي.
لكن العقبات السياسية في تنزانيا، تحت قيادة الرئيس الراحل جون ماجوفولي الذي كان يعارض الاستثمارات التعدينية الأجنبية، دفعت الولايات المتحدة وغيرها إلى التراجع عن تمويل المشروع.
وفي عام 2021، تولت سامية حسن الرئاسة في تنزانيا بنهج أكثر انفتاحًا تجاه الاستثمارات الأجنبية، لكن الوقت كان قد أصبح عامل ضغط على "بيك".
وبحلول 2022، باع مستثمر رئيسي في الشركة وهو صندوق بريطاني حصته لصالح شركة "شينجه" الصينية، التي كانت تتوسع تدريجيًا في شراء حصص من المشاريع التعدينية الواعدة في البلاد، وقال مايكل شيرب، الرئيس التنفيذي للصندوق البريطاني، إنه حاول مرارًا الحصول على دعم حكومي من لندن لكنه لم يتلق "أي مساندة تُذكر".
ورغم تعهد "بيك" آنذاك بالالتزام بتوريد إنتاجها خارج الصين، بدأت الضغوط تتصاعد؛ ومع هبوط أسعار المعادن النادرة في 2022 نتيجة زيادة الصين إنتاجها، وتغييرات في إدارة الشركة، أبرمت "بيك" اتفاقًا يمنح "شينجه" بين 75% و100% من إنتاج المنجم لمدة سبع سنوات، إضافة إلى مقعد في مجلس الإدارة.
وأدت هذه التطورات إلى تعامل الحكومات الغربية مع "بيك" باعتبارها واقعة تحت النفوذ الصيني، وهو ما صعّب عليها إيجاد مصادر تمويل بديلة لتطوير المشروع، بينما كانت مهددة بفقدان رخصة التعدين إذا لم تحقق تقدمًا فعليًا على الأرض.
وبحثت الشركة عن شريك عالمي أو مشترٍ جديد، لكنها تلقت عرضًا واحدًا فقط ـ من "شينغه". وفي عام 2024، كان من المقرر الدخول في شراكة رسمية مع الشركة الصينية، قبل أن تتغير المعادلة بالكامل، وبعد فرض إدارة ترامب رسومًا جمركية قاسية على الصين في أبريل الماضي، ردت بكين بفرض ضوابط صارمة على تصدير المعادن النادرة وتقنيات معالجتها، ما تسبب في أزمة إمدادات عالمية وهزة قوية للصناعات الغربية.
وعلى إثر ذلك، أعلنت "بيك" إلغاء خطط الشراكة، مشيرة إلى "تطورات جيوسياسية وتنظيمية" جعلت التعاون مع الجانب الصيني شبه مستحيل، إلا أن "شينغه" استغلت الفرصة سريعًا، وتقدمت هذا العام بعرض للاستحواذ الكامل على الشركة بسعر يفوق متوسط أسعار الاستحواذ في القطاع بأكثر من ثمانية أضعاف. وقد وصفته بأنه يستحق التكلفة لمنجم تعتبره "الأفضل بين المشاريع غير المطورة في العالم".
وظهر عرض أمريكي مضاد من شركة استثمارية خاصة، لكنه لم يقدم ضمانات كافية للتمويل، حسب مجلس إدارة "بيك"، الذي رفضه خشية مخالفة شروط الحصرية المتفق عليها مع "شينغه".
وفي النهاية، تلقى المساهمون في الشركة أربعة أضعاف قيمة أسهمهم قبل الإعلان، وتم شطب "بيك" رسميًا من بورصة أستراليا في أكتوبر، لتصبح "شينغه" المالك الكامل لأحد أبرز رواسب المعادن النادرة عالميًا، وقال روكي سميث، الرئيس التنفيذي السابق للشركة، إن "الصينيين لديهم نظرة استراتيجية طويلة المدى، والجانب المالي لا يمثل لهم عائقًا كبيرًا"، مضيفًا أن المشروع ليس سوى "قطعة جديدة تُنقل إلى الداخل الصيني".
وأصبح منع الشركات المدعومة من الدولة الصينية من الاستحواذ على المناجم الاستراتيجية حول العالم أولوية قصوى لدى الحكومات الغربية. وفي أعقاب صفقة "شينغه"، أعلنت الولايات المتحدة وأستراليا تعزيز أدواتهما الرقابية لمنع صفقات مماثلة.
ورغم ذلك، يرى خبراء التعدين أن الفرص القانونية لمنع شركات أسترالية، التي تقود جزءًا كبيرًا من الاستكشاف المعدني عالميًا، من بيع أصولها في الخارج محدودة للغاية، كما أن الشركات الصينية تتفوق في تقديم عروض أكبر بدعم حكومي واسع وقدرتها على العمل داخل بيئات استثمارية معقدة في الدول النامية.
وفي أوروبا، فتحت المفوضية الأوروبية هذا الشهر تحقيقًا بشأن صفقة بيع عمليات النيكل التابعة لشركة "أنغلو أمريكان" في البرازيل لفرع لشركة تعدين صينية مملوكة للدولة، وسط مخاوف من فقدان مصانع الصلب الأوروبية لإمداداتها الحيوية، كما اتخذت كندا خطوات مماثلة لتقييد الاستثمارات الصينية في قطاع التعدين وإجبار بعض الشركات الصينية على بيع حصصها.
واختتمت الصحيفة الأمريكية تقريرها: " بذلك.. يبدو أن سباق السيطرة على المعادن الحيوية يدخل مرحلة أكثر حدة، في وقت يدرك فيه الغرب أن خسارة مشروع مثل منجم تنزانيا قد تكون مجرد حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التحولات الاستراتيجية التي تصب جميعها في صالح بكين".

الاقسام


© 2021 Albawabhnews All Rights Reserved.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق