في الوقت الذي يحقق فيه وادي السيليكون طفرة غير مسبوقة في الذكاء الاصطناعي، تتراجع الوظائف التقليدية وسط هيمنة التكنولوجيا على القطاع.
طفرة استثمارية غير مسبوقة
شهدت شركات التكنولوجيا الكبرى قفزات هائلة في الإيرادات والاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، حيث تجاوزت الأرباح التوقعات، وأعلنت عن استثمارات تصل إلى 375 مليار دولار في البنية التحتية ومراكز البيانات، في إطار تعزيز قدراتها على تشغيل النماذج الضخمة.
هذا الزخم المالي يعكس السباق المحموم نحو ريادة الذكاء الاصطناعي، لكنه يتناقض مع التوجه الهيكلي للشركات نحو تقليص القوى العاملة.
موجة تسريحات قياسية
على الرغم من الازدهار المالي، أعلنت شركات التكنولوجيا عن تسريح أكثر من 141 ألف موظف هذا العام وحده، بزيادة 17% عن الفترة نفسها من العام الماضي، وفق بيانات شركة "تشالنجر، جراي، وكريسماس".
ففي العامين الأخيرين، انخفضت القوى العاملة في القطاع الأمريكي نحو 3% سنويًا، بينما سجلت كاليفورنيا انخفاضًا حادًا بنسبة 19%.
هذا يشير إلى تحول بنيوي عميق يعكس إعادة هيكلة الشركات حول الذكاء الاصطناعي، لا مجرد تصحيح مرحلي بعد الفوائض التي أفرزتها فترة الجائحة.
الذكاء الاصطناعي يبتلع الوظائف
وفق خبراء الذكاء الاصطناعي، الشركات لم تعد تبحث عن آلاف الموظفين التقليديين، بل عن مهندسين ذوي مهارات فائقة في النماذج الضخمة، علم البيانات، الهندسة السحابية وتصميم الرقائق.
الذكاء الاصطناعي أصبح يُنفّذ المهام الروتينية مثل البرمجة الأولية، خدمة العملاء، إدارة المحتوى والتحليل التشغيلي، ما يقلص الحاجة للعنصر البشري داخل المؤسسات نفسها قبل أن يمتد أثره إلى الأسواق الخارجية.
إعادة هندسة الصناعة
الخبراء يؤكدون أن الصناعة تتحول من نموذج كثيف العمالة إلى نموذج كثيف التكنولوجيا، حيث يتم استبدال الوظائف الواسعة منخفضة القيمة بوظائف نوعية عالية القيمة، بما يعكس تحولًا طويل الأمد في طبيعة العمل.
الشركات الكبرى مثل ميتا، جوجل، مايكروسوفت وأمازون تركز اليوم على مشاريع استراتيجية محددة، ما يجعل التسريحات جزءًا من إدارة التكاليف وضمان هوامش ربحية أعلى، وليس نتيجة أزمات مالية.
النموذج الجديد للعمل
ويشير الخبراء إلى أن الاعتماد على الأتمتة والذكاء الاصطناعي يقلص الحاجة للعنصر البشري، فمهام كانت تتطلب مئات الموظفين تُدار اليوم عبر منصات ذكية بكفاءة أعلى وتكلفة أقل.
التسريحات لم تعد مرتبطة بالأزمات، بل أصبحت أداة دائمة لإعادة توجيه الموارد نحو الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، ما يجعل الوظائف المتبقية أقل عددًا لكنها أكثر تخصصًا وقيمة.


















0 تعليق