في لحظة سياسية محمّلة بالدلالات، استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيس بلدية نيويورك المنتخب زهران ممداني في البيت الأبيض، في أول لقاء يجمعهما بعد حملة انتخابية كانت بينهما من الأكثر سخونة في تاريخ سباقات المدن الأميركية.
ورغم أنّ التصريحات الهجومية والمواقف المتعارضة شكّلت العنوان الأبرز خلال الشهور الماضية، فإنّ هذا اللقاء حمل في طياته اختبارًا حقيقيًا لإمكانية الانتقال من الخصومة السياسية إلى مساحة تعاون تفرضها متطلبات الحكم في مدينة بحجم نيويورك.
من التصعيد الانتخابي إلى لحظة التلاقي
الحملة بين ترامب وممداني لم تكن تقليدية، فممداني، ذو التوجهات اليسارية الواضحة، لم يتردد في مهاجمة السياسات الفيدرالية التي اعتبرها “منحازة للأثرياء”، بينما وصف ترامب منافسه الديمقراطي بأنه “اشتراكي متطرف سيقود نيويورك إلى الفوضى”.
ومع ذلك، جاءت النتائج لتقلب المشهد: فوز ممداني بأغلبية تفوق 50% من الأصوات، وبمشاركة غير مسبوقة منذ عام 1969، دفع البيت الأبيض للاعتراف بواقع سياسي جديد يجب التعامل معه مهما بلغ حجم الخلافات السابقة.
رسائل البيت الأبيض… وقراءة ما بين السطور
التعليق الرسمي الأول جاء من المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، التي لم تُخفِ نبرة الانتقاد في قولها إن "زيارة ممداني تعكس خيارات الديمقراطيين".
لكنها في الوقت ذاته شددت على استعداد ترامب لاستقبال الجميع. الرسالة المبطنة واضحة: البيت الأبيض لا ينسى الهجمات، لكنه يدرك أن إدارة مدينة بحجم نيويورك تستدعي قنوات اتصال مفتوحة مع الإدارة الفيدرالية.
ممداني يدخل اللقاء… بحذر محسوب
بالنسبة لممداني، فإنّ الجلوس مع ترامب ليس تنازلاً بقدر ما هو خطوة ضرورية.
فبرنامجه الانتخابي الطموح—من تحسين القدرة الشرائية إلى دعم الإسكان وتعزيز الأمن—لا يمكن تنفيذه دون شراكة مع واشنطن.
ومع ذلك، حرص في تصريحاته على التأكيد أنه لن يتردد في مواجهة أي سياسات يرى أنها تضرّ سكان المدينة.
هذا التوازن بين الاستعداد للتعاون والحفاظ على استقلاليته السياسية شكّل محورًا أساسيًا في طريقة دخوله اللقاء.
إعادة بناء فريق نيويورك… رسالة ثقة
ممداني يدرك أن خبرته في المناصب التنفيذية محدودة، ولهذا بدأ بتشكيل فريق إداري قوي يضم شخصيات مثل دين فوليهان وجيسيكا تيش.
هذه الخطوة لم تكن مجرد تحضير إداري، بل رسالة سياسية مفادها أن نيويورك تحت قيادته ستكون مدينة مستقرة، قادرة على التعامل مع الملفات الثقيلة، ومؤهلة للدخول في شراكة متوازنة مع الحكومة الفيدرالية.
فرصة جديدة… أم بداية لمواجهة أعمق؟
في ختام هذه الزيارة، لا يبدو أن الخلافات قد اختفت، لكنها وُضعت على الرف مؤقتًا. ترامب يسعى لإظهار انفتاح أمام المدن الكبرى التي كانت معقلاً لخصومه، وممداني يريد أن يثبت أنه قادر على القيادة رغم حداثته السياسية.
وبين هذين المسارين، يتحدد مستقبل العلاقة بين واشنطن ونيويورك خلال السنوات المقبلة.
هكذا، يصبح اللقاء بينهما أكثر من مجرد اجتماع بروتوكولي؛ إنه قصة انتقال من ضجيج الحملة إلى لغة الحكم، ومن الخصومة العلنية إلى اختبار التعاون الواقعي، حيث تتقاطع المصالح وتتباين المبادئ في واحدة من أهم العواصم الاقتصادية والسياسية في العالم.
















0 تعليق