جون روبرت فين.. فتح بوابة الطب إلى عالم البروتينات الدقيقة

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ولد جون روبرت فين في لندن 1917، وبدأ رحلته العلمية بدراسة الصيدلة، لكن شغفه لم يكن موجهًا نحو تركيب الأدوية فحسب، بل إلى فهم ما يحدث داخل جسم الإنسان على المستوى الجزيئي الدقيق، كان مقتنعًا أن العلاج الحقيقي يبدأ من فهم البروتينات، باعتبارها العمود الفقري لكل وظائف الجسم، من المناعة إلى النمو مرورًا بنقل الإشارات الحيوية.

البحث عن طريقة لرؤية البروتينات كما هي

كانت المشكلة الكبرى التي تواجه العلماء هي أن البروتينات مركبات ضخمة ومعقدة، ولا يمكن تحليلها بالطرق التقليدية، إذ تتكسر أو تتلف أثناء الفحص، لكن فين كان يرى أن الحل يكمن في طريقة جديدة تسمح بتفكيك البروتينات دون تدميرها، ثم تحليلها ومعرفة تركيبها بدقة، وهنا بدأت رحلته الكبرى التي غيرت مسار الطب والكيمياء الحيوية.

ابتكار مذهل: تقنية الرش الكهربائي (Electrospray Ionization)

في ثمانينيات القرن الماضي، فاجأ جون روبرت فين العالم بابتكار تقنية الرش الكهربائي لتشخيص البروتينات، تقوم هذه التقنية بتحويل جزيئات البروتين إلى قطرات دقيقة مشحونة بالكهرباء، دون أن تفقد بنيتها أو خصائصها، ثم تمر هذه القطرات عبر جهاز مطياف الكتلة ليتم تحليلها بدقة مذهلة، ومعرفة وزنها وتركيبها وترتيب مكوناتها.

فتح بوابة جديدة أمام الطب الحديث

لم تكن هذه التقنية مجرد إنجاز علمي، بل بوابة إلى عالم جديد في الطب، أصبحت قادرة على تحليل البروتينات المسؤولة عن الأمراض الوراثية والسرطانات والأمراض المناعية، وساهمت في تطوير علاجات تستهدف الخلل في تركيب البروتين، بدل التعامل مع أعراض المرض فقط، وهكذا انتقل الطب من مرحلة التشخيص التقليدي إلى التشخيص الجزيئي الدقيق.

ثورة في علوم الحياة

أصبح بإمكان العلماء بفضل هذه التقنية معرفة كيفية عمل البروتينات داخل الجسم، وكيف تتفاعل مع بعضها البعض، وكيف تتغير في حالة المرض، كما ساعدت على تطوير أدوية بيولوجية تعتمد على تصميم بروتينات صناعية لمعالجة أمراض معقدة، مثل السرطان وأمراض المناعة الذاتية ولأول مرة، أصبح بإمكان الطب مراقبة البروتينات كما لو كانت كائنات حية مصغرة تتحرك وتعمل داخل الجسم.

علاقة العلم بالصبر والإيمان بالفكرة

لم تكن رحلة فين سهلة، فقد واجه الكثير من التشكيك في بداية أبحاثه، ورأى البعض أن تفكيك البروتين دون تدميره أمر مستحيل، لكنه واصل العمل بإيمان ثابت أن العلم يبدأ بسؤال جريء، ولو كان يبدو مستحيلًا، وبعد أعوام من التجارب والإخفاقات، أثبتت نتائجه صحة ما كان يؤمن به، ليفتح بابًا جديدًا أمام الكيمياء الحيوية وعلم الطب.

تتويج عالمي مستحق

حصل جون روبرت فين على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2002، تقديرًا لما قدمه للعالم من تقنية غيرت طريقة دراسة البروتينات، ووضعت حجر الأساس للطب الدقيق المعتمد على فهم الخلايا على المستوى الجزيئي.

لم يكن جون روبرت فين مجرد صيدلي أو كيميائي، بل كان عالمًا رأى المستقبل قبل الآخرين، فتح نافذة على عالم البروتينات الدقيقة، وربط بين الكيمياء والطب بطريقة غير مسبوقة، هو الرجل الذي جعل العلماء يرون ما لم يكن يرى، ويدرسون ما كان مستحيلًا تحليله، ليصنع ثورة غيرت وجه الطب الحديث.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق