تتصاعد في الشارع المصري خلال السنوات الأخيرة موجة لافتة، حيث نرى شبابا ورجالا ونساء يحملون أكواب قهوة حرارية أينما ذهبوا، وكأنها جزء ثابت من الإطلالة اليومية، وتعكس هذه الظاهرة تحوّلًا اجتماعيًا وثقافيًا مرتبطًا بعادات الاستهلاك، وإيقاع الحياة السريع، وتأثيرات الاقتصاد على نمط المعيشة، ويشير تقرير “من الرفاهية إلى العادة اليومية، كيف أصبحت القهوة أساس يوم المصريين؟ إلى تغيّر كبير في ثقافة القهوة ودورها في يوم المصريين، وفقًا لما نشرته مجلة Journal of Nutrition، المتخصصة بالتغذية والسلوك الغذائي واستهلاك الطعام والمشروبات.
كيف بدأت ظاهرة حمل الأكواب الحرارية؟
تنتشر عادة حمل الكوب الحراري مع تنامي ارتباط المصريين بالقهوة، خصوصًا بين فئة الشباب في المدن الكبرى، حيث يؤكد متخصصون في سوق المشروبات أن استهلاك القهوة ارتفع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، متأثرًا بازدهار «ثقافة القهوة» عالميًا ومحليًا، ويساهم دخول أنواع جديدة من البن، وتنوع طرق التحضير، وانتشار علامات تجارية متخصصة، في تعزيز هذا الارتباط اليومي بالمشروب الأكثر شعبية بعد الشاي.
كما يدفع ارتفاع أسعار المشروبات الساخنة في المقاهي كثيرين إلى إعداد قهوتهم في المنزل وحملها معهم في كوب حراري، بدلًا من شراء قهوة جاهزة كل يوم، ويشير تقرير اقتصادي منشور إلى أن المصريين خفّضوا نفقاتهم في كثير من البنود خلال السنوات الأخيرة، لكنهم لم يتخلّوا عن القهوة، ما يعكس مكانتها النفسية والاجتماعية، ويُظهر ذلك أن الكوب الحراري ليس مجرد «موضة»، بل حل عملي واقتصادي لأزمة الأسعار المتزايدة.
ويتزامن انتشار الكوبايات الحرارية مع نمط حياة حضري سريع لا يسمح بالتوقف المتكرر لتناول المشروب داخل المقهى، لذا يفضّل الموظفون والطلاب حمل قهوتهم أثناء التنقل بين المواصلات وأماكن العمل والدراسة، بدلًا من إضاعة وقت إضافي في الطوابير، ويعكس المشهد رغبة واضحة في الحفاظ على «الرفاهية الصغيرة» خلال اليوم دون تعطيل الالتزامات.
كما يُعيد ظهور الكوب الحراري صياغة علاقة المصري بالقهوة، فبينما ظل شرب القهوة لسنوات طويلة مرتبطًا بالمقاهي التقليدية أو بالجلسات الاجتماعية، يقدّم الجيل الجديد شكلًا مختلفًا من العلاقة بالمشروب علاقة مرتبطة بالهوية الشخصية وبأسلوب حياة حديث، ويُبرز الكوب الحراري هذا التحول، ويحوّله من عادة اجتماعية إلى طقس فردي يُمارَس في الطريق والعمل والجامعة.
وتدفع شكاوى البعض من جودة القهوة في عدد من المقاهي إلى الاعتماد على القهوة المُعدة منزليًا، كما ينقل تقرير نشرته قناة العربية الإنجليزية تجربة مصريين فضّلوا حمل قهوتهم الخاصة بسبب عدم رضاهم عن جودة القهوة الجاهزة، مما يعكس اهتمامًا أكبر بالمذاق والجودة، ورغبة في التحكم بمدى قوة القهوة ونوع البن المستخدم.
هل تتحول الأكواب الحرارية إلى جزء من ثقافة “البراند الشخصي”؟
تكتسب الأكواب الحرارية بعدًا شكليًا أيضًا، إذ باتت جزءًا من إطلالة الكثيرين،حيث تستخدم فئات واسعة كوبايات ذات تصميمات عصرية، بعضها يحمل شعارات عالمية أو جمل محفّزة، ما يجعلها عنصرًا «شِيك» في الحياة اليومية، ويميل الشباب خصوصًا إلى اختيار كوبايات معزولة حراريًا تُحافظ على حرارة المشروب لساعات طويلة.
وتعكس موضة الكوبايات الحرارية تحولًا أوسع في المجتمع المصري، من تغيّر عادات الشرب، وارتفاع الوعي بالجودة والتكلفة، وضيق الوقت في المدن الكبيرة، ورغبة الأجيال الجديدة في تبنّي نمط حياة مرن يتناسب مع إيقاع اليوم، ويبقى الكوب الحراري هنا رمزًا عمليًا ومعنويًا يجمع بين الراحة، والتنظيم، والهوية، والانتماء لثقافة حديثة تتشكّل يومًا بعد يوم.



0 تعليق