بعد واقعة التنمر الأخيرة التي تعرضت لها إحدى الطلبات بمحافظة الدقهلية، التي أثارت موجة غضب شديدة داخل الرأي العام لتسبب هذه الواقعة في محاولة الطفلة إنهاء حياتها داخل المدرسة، أكد بعض الخبراء على ضرورة التصدي لهذه الظاهرة وزيادة التوعية بخطورتها.
تواصل النائب العام رسميًا مع والد الطفلة لفتح تحقيق عاجل في واقعة التنمر، يطال جميع الأطراف المعنية بما في ذلك إدارة المدرسة، الطالبات، وأولياء الأمور، لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث وحماية حقوق الطفلة النفسية والقانونية.
في سياق متصل، قال محمد الرشيدي، وكيل وزارة التربية والتعليم بالدقهلية، إن الطفلة التحقت بالمدرسة هذا العام وواجهت صعوبات في الاندماج مع زميلاتها، ما تسبب في خلافات طفولية تحولت لاحقًا إلى تنمر واضح.
أوضح، أن خلافًا سابقًا وقع الأسبوع الماضي بين الطفلة وطالبتين، وتم استدعاء أولياء الأمور لحله وديًا، لكن الطفلة أبلغت زميلاتها برغبتها في إنهاء حياتها نتيجة شعورها بالعزلة النفور داخل الفصل، فتدخلت المعلمة وأنقذتها في اللحظة الأخيرة.
تأثيرات التنمر السلبية على الأطفال
بدوره، يوضح الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس التربوي بكلية التربية جامعة عين شمس، أن التنمر يمثل أحد المشكلات السلوكية التي تنتشر بين أفراد المجتمع بشكل عام وطلاب المدارس بشكل خاص، ويسبب التنمر عديدا من التأثيرات النفسية السلبية للطفل الذي يتم التنمر عليه، سواء أكان التنمر لفظيا أو جسميا، منها ضعف ثقة الطفل الضحية في نفسه، وتكوينه صورة سلبية عن ذاته، وانخفاض تقديره لنفسه، وتكوينه اتجاهات سلبية نحو المدرسة والتعليم.
يتابع "شوقي"، أن الطفل الضحية يعزف عن الذهاب إلى المدرسة، وميله إلى الانطواء والانعزال والوحدة، وانخفاض تحصيله الدراسي، وأحيانا يكتسب الطفل الذي تم التنمر عليه سلوكيات العنف والعدوان تجاه الآخرين، وغير ذلك من التأثيرات الخطيرة التي قد تصل إلى الاكتئاب والانتحار في ضوء فقدان الطفل الأمل والمعنى لحياته.
حالات زيادة التاثيرات السلبية للتنمر على الطفل
يستكمل، أن تلك التأثيرات تزداد تحت بعض الظروف، منها: "كلما كان الطفل أصغر سنًا ولم يتشكل لديه مفهوم جيد عن ذاته، وكلما لمس التنمر أحد الجوانب الشخصية أو الاجتماعية أو الأسرية أو الجسمية لديه التي يعاني فيها من قصور، وكلما حدث التنمر في وجود أشخاص آخرين (سواء زملاء الطفل أو الكبار مثل المعلمين) وعدم اتخاذهم أي رد فعل لمعاقبة الطفل أو الأطفال الذين قاموا بالتنمر على الطفل الضحية، وكلما جاء التنمر من بعض الأشخاص ذوي الأهمية في حياة الطفل (مثل المعلم أو الناظر أو مدير المدرسة، أو من أكثر من زميل للطفل في نفس الوقت".
يضيف، أن التأثيرات السلبية تزداد كلما كان الطفل أقل ثقة في نفسه أو لديه حساسية مفرطة تجاه الكلام السلبي، وكلما لمس التنمر جانبا من شخصية الطفل يصعب تعديله أو تغييره أو علاجه (مثل شيء ما في وجهه أو جسمه)، مقارنة بالجوانب التي يمكن تعديلها (مثل ملابس الطفل).
طرق تحصين الطفل ضد التنمر
يؤكد، أنه توجد عدة طرق لتحصين الطفل ضد التأثيرات السلبية للتنمر، منها: دعم ثقة الطفل في نفسه داخل الأسرة في سنوات حياته الأولى، والتركيز في الحديث مع الطفل على نواحي قوته التي يتميز بها، واكتشاف أي موهبة لدى الطفل مثل الرسم أو الغناء أو التفوق في أي رياضة وغيرها، وإتاحة الفرصة له لممارستها، وعلاج أي مشكلات لدى الطفل قد تسبب تنمر زملائه عليه في المدرسة، والبعد عن عقاب الطفل المفرط أو تذكيره بنواحي النقص أو القصور في شخصيته أو لفت انتباهه اليها، وتوعية الطفل بأنه لا يوجد إنسان مكتمل الصفات؛ فلكل إنسان نواحي قوة ونواحي قصور، وتوعية الطفل بكيفية الرد المناسب على من يتنمر عليه.
يشير إلى أنه من ضمن طرق التحصين أيضًا الإنصات لشكاوى الطفل في حالة حدوث أي حالات تنمر ضده، وإبلاغ إدارة المدرسة لاتخاذ إجراءات عقابية فورية ضد الأطفال المتنمرين، وتجنب إشراك الطفل في أي أنشطة تعليمية أو ترفيهية مع الأطفال المتنمرين، وحث الطفل على تحقيق التفوق على زملائه كوسيلة مناسبة لاثبات ذاته واستعادة تقديره لذاته، وقيام إدارة المدرسة بتكريم الطفل الضحية في طابور الصباح ومنحه شهادة تقدير أو جائزة على أي نشاط قام به في السابق بما يقلل من مشاعره السلبية.
كما تقول داليا الحزاوي، الخبيرة التربوية، ومؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر، إن هذه الحادثة المؤلمة تمثل مؤشرًا خطيرًا على تفاقم ظاهرة التنمر داخل المدارس، مؤكدة أن هذه الطفلة ليست حالة فردية، بل نموذج واضح لمعاناة عدد كبير من الطلاب الذين يواجهون التنمر في صمت دون دعم أو تدخل فعال.
جذور التنمر من الأسرة
تابعت "الخبيرة الأسرية"، أن جذور التنمر تبدأ من داخل الأسرة، حيث يكتسب الطفل سلوكياته من بيئته الأولى، مشيرة إلى أن بعض الآباء يمارسون السخرية من الآخرين أمام أطفالهم، أو حتى يسخرون من أبنائهم أنفسهم بسبب الشكل أو الاسم أو اللون، مما يرسخ لدى الطفل أن هذا السلوك طبيعي، ويدفعه لممارسته لاحقًا.
الإعلام ينشر السلوكيات السلبية
أوضحت، أن الإعلام يلعب دورًا في نشر السلوكيات السلبية، حيث أن بعض البرامج والمحتويات التي تقدم التنمر في إطار الترفيه تؤثر بشكل مباشر على سلوكيات الأطفال وتطبعهم مع هذا النمط من التفاعل، مؤكدة أن المدرسة تتحمل جزءًا أساسيًا من المسؤولية، نتيجة ضعف الرقابة على سلوكيات الطلاب وعدم تفعيل لائحة الانضباط المدرسي بشكل حازم.
أضافت، أن غياب العقاب يشجع على تفشي السلوكيات المؤذية، قائلة: "من أمن العقاب أساء الأدب"، مشددة على ضرورة تكاتف المجتمع لمواجهة هذه الظاهرة، عبر حملات توعية موسعة داخل المدارس والنوادي ومراكز الشباب ودور العبادة.











0 تعليق