شاهين يصنع الحلم.. والنبوي يخلده.. قراءة جديدة في "المهاجر"

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد مرور 31 عامًا على إنتاجه، يعود فيلم "المهاجر" إلى شاشة مهرجان القاهرة السينمائي، ليس فقط كاحتفاء بمسيرة المخرج الكبير يوسف شاهين، أو تكريمًا لبطله خالد النبوي، بل كفرصة جديدة لإعادة اكتشاف واحد من أكثر أفلام التسعينيات جرأة وإثارة للجدل، وفرصة عظيمة لمن لم يشاهده من جيل الشباب.

الفيلم الذي أُنتج عام 1994، وكتب له السيناريو وأخرجه يوسف شاهين، كان بمثابة مغامرة فنية غير مسبوقة وقتها، فالمخرج العالمي يوسف شاهين لم يقدم مجرد حكاية مستلهمة من قصة دينية، بل أعاد صياغة العلاقة بين الإنسان والحلم، بين العقل والإيمان، بين الفرد وقدره، هذه الرؤية جعلت الفيلم مادة خصبة للنقاش والرفض والإعجاب في آن واحد.

بنى شاهين فيلمه على معادلة تجمع بين الأسطورة والتاريخ والتخيل، ورغم أن الفيلم لم يلتزم حرفيًا بالقصص الدينية التي يلمسها المشاهد بين جنبات الحدوتة المصورة على الشاشة، فإنه قدم رحلة إنسان يبحث عن المعرفة والعلم، وعن مكان يجد فيه ما يبحث عنه أملًا في العودة لأهله بما تعلمه،  ليصبح العمل أقرب إلى تجسيد فلسفي لفكرة الهجرة الداخلية قبل أن تكون هجرة بجسده من مكان إلى آخر .

اعتمد شاهين على لغة بصرية قوية، ظهرت بقوة في المشاهد الواسعة التي تضم المجاميع واللقطات العميقة والدرامية التي تعتمد على الأداء لا على الحوار المنفعل، كل ذلك جعل الفيلم أقرب لعمل سينمائي يتحدى زمنه، ولا يتوقف عند كونه فيلمًا يعرض في حقبة التسعينيات من القرن الماضي.

لم يكن غريبًا أن يختار المهرجان إعادة عرض الفيلم بالتزامن مع تكريم الفنان خالد النبوي، ففي "المهاجر" قدم النبوي واحدًا من أهم وأصدق أدواره على الإطلاق، كان الأداء يحمل مزيجًا نادرًا من البراءة والقوة، ومن الاندفاع نحو المعرفة والخوف من المجهول، ليساهم هذا الدور  بقوة في تأسيس مرحلة جديدة في مسيرته، ما زالت تتجلى حتى اليوم في اختياراته الدقيقة وشغفه الواضح بالشخصيات المركبة.

من شاهد الفيلم من الشباب في العرض الذي أقيم مؤخرًا بدار الأوبرا لأول مرة، رأى في النبوي مشروع نجم سينمائي مصري عالمي، ومن شاهده من الجيل الذي شاهده مرات عديدة فيما سبق تأكد أن رؤيته ورهانه على أن هذا الممثل سيكون بعد سنوات أحد أكثر أبناء جيله تفردًا كانت رؤية صائبة ورهانًا رابحًا.

خالد لم يقدم في الفيلم مجرد شاب يبحث عن ذاته، بل قدم بذرة مشروع فنان عالمي، مشروع ممثل يعرف كيف يحول الصمت إلى معنى، والنظرة إلى خطاب كامل، فقد ظهر قادرًا على التعبير بحس داخلي، وعلى خلق توتر صامت بينه وبين الكاميرا، وكانت أول شهادة مبكرة على موهبة ستنضج قريبا وتزداد إشراقا مع مرور السنين، ولعل إعادة عرض المهاجر في فترة تكريمه جاءت كأنها استعادة لميلاد خالد الفني، لحظة ولادة ممثل ليس عابرًا،  بل مستمرًا.

شارك في الفيلم نخبة من كبار نجوم تلك المرحلة:

يسرا: حضور ناضج وأداء يوازن بين الحس الإنساني والقوة، تبدو رغم قوتها وجبروتها ضعيفة كل الضعف أمام من أحبته، ويكمن جمال أدائها وتميزه في قدرتها على التلون حتى لو جاءت القوة والضعف في مشهد واحد.

محمود حميدة: طاقة تمثيلية على قدر شحنتها الطاغية على قدر هدوئها، وتظل مشاهد انكساره أمام حبيبته وقوته أمام من امتلك قلب حبيبته من أروع المشاهد التي جسدها ببساطة ورصانة .

صفية العمري: أداء يحمل الحكمة والصلابة.

فيلم "المهاجر" يستحق العودة إليه كل فترة، لفهم كيف يمكن للسينما أن تكون مساحة للتأمل، ولعل استقبال الحاضرين للفيلم وخاصة من الشباب يؤكد أن الأفلام التي تحمل رؤية مختلفة تظل شامخة على مر الأجيال، وبعد مرور هذه السنوات الطويلة يؤكد "المهاجر" أنه ليس فقط محطة مهمة في تاريخ يوسف شاهين، بل في تاريخ السينما العربية كلها، كما أنه يعد خطوة بألف خطوة في  مسيرة خالد النبوي الذي بدأ معه رحلة نحو النضج والاختلاف.

18e0b28571.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق