في خطوة تُعد من أبرز إنجازات قطاع الصحة العامة خلال السنوات الأخيرة، أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميًا أن مصر أصبحت خالية من مرض التراكوما كأحد مشكلات الصحة العامة، بعد سنوات طويلة من العمل المتواصل والجهود الوطنية المكثفة.
بهذا الإعلان، تنضم مصر إلى قائمة الدول التي نجحت في القضاء على المرض على مستوى الصحة العامة، لتصبح سابع دولة على مستوى إقليم شرق المتوسط، وواحدة من 27 دولة حول العالم حققت هذا الإنجاز بعد اعتماده رسميًا من المنظمة.
قيادة وطنية واعية
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم، في بيان:
“نبارك لمصر نجاحها في القضاء على التراكوما. هذا الإنجاز يعكس قيادة وطنية واعية، ونظام متابعة دقيق، وتعاونًا مجتمعيًا ساهم في إنهاء معاناة طال أمدها عبر التاريخ.”
ورغم التقدم الذي حققته مصر، لا يزال المرض يشكل خطرًا على الصحة العامة في نحو 30 دولة أخرى، ويتسبب في فقدان أو ضعف البصر لما يقرب من 1.9 مليون شخص. وتشير بيانات المنظمة حتى أبريل 2024 إلى أن 103 ملايين شخص يعيشون في مناطق ما زالت التراكوما متوطنة فيها.
جذور تاريخية للمرض وجهود مبكرة لمكافحته
تكشف الوثائق التاريخية أن التراكوما كانت موجودة في مصر منذ ما يزيد على 3 آلاف عام. وفي بدايات القرن العشرين، بادر طبيب العيون البريطاني “آرثر ماكالان” بتأسيس أول مستشفيات متنقلة وثابتة لعلاج أمراض العيون، واضعًا أسس مكافحة المرض على الصعيد العالمي.
ورغم هذه الجهود، كان المرض حتى ثمانينيات القرن الماضي سببًا رئيسيًا للعمى بين البالغين، كما أثَّر على أكثر من نصف الأطفال في بعض قرى دلتا النيل.
استراتيجية وطنية تتوج بالنجاح
منذ عام 2002، بدأت وزارة الصحة والسكان في تنفيذ خطة وطنية للقضاء على التراكوما بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والجهات الدولية الداعمة، اعتمادًا على منهجية SAFE، والتي تشمل:
• الجراحة لعلاج مضاعفات المرض
• المضادات الحيوية للقضاء على البكتيريا
• تعزيز نظافة الوجه
• تحسين البيئة والخدمات الصحية والمياه
خلال الفترة من 2015 إلى 2025، أجرت الفرق الطبية عمليات مسح دقيقة شملت جميع محافظات مصر الـ 27 محافظة، وأظهرت النتائج تراجعًا واضحًا في نسبة إصابة الأطفال بين عام واحد وتسع سنوات بالتهابات التراخوما النشطة، مع اختفاء المضاعفات المسببة للعمى لدى البالغين إلى ما دون المعدلات المحددة من منظمة الصحة العالمية.
منظومة ترصد المرض داخل النظام الإلكتروني الوطني
في عام 2024، دمجت مصر منظومة ترصد المرض داخل النظام الإلكتروني الوطني للإبلاغ عن الأمراض، الأمر الذي يسمح بالاستجابة السريعة لأي حالات محتملة مستقبلاً.
وأعرب الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة والسكان، عن فخره بما تحقق قائلاً:
“نجاح مصر في القضاء على التراكوما يؤكد التزام الدولة بتوفير خدمات صحية عادلة للجميع. المبادرات القومية وفي مقدمتها «حياة كريمة» لعبت دورًا أساسيًا في تحسين البيئة الصحية والمياه والصرف الصحي والخدمات الطبية في القرى والمناطق الريفية.”
من جانبه، قال ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر، الدكتور نعمة عبد:
“هذا النجاح يضاف إلى محطات بارزة سابقة حققتها مصر، مثل القضاء على شلل الأطفال والحصبة والملاريا. إنه نموذج يُحتذى به عالميًا.”
كما أعربت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية للمنظمة لشرق المتوسط، عن تقديرها للتجربة المصرية قائلة:
“إصرار مصر وشراكاتها الصحية القوية أوصلتنا إلى لحظة يستحق الجميع الاحتفاء بها.”
تعاون محلي ودولي مكثف
جاء هذا الإنجاز ثمرة تعاون واسع بين وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية وعدد من الجهات الوطنية والدولية، من أبرزها:
• مبادرة حياة كريمة
• تحالف مكافحة التراخوما في إقليم شرق المتوسط
• المبادرة الدولية لمكافحة التراخوما
• مؤسسات وجمعيات دولية معنية بدعم المكفوفين
ما هو مرض التراكوما؟
مرض معدٍ ينتج عن بكتيريا المتدثرة الحثرية، ينتقل عن طريق:
• ملامسة إفرازات العين المصابة
• استخدام المناشف أو الملابس الملوثة
• الذباب الذي ينقل البكتيريا
تكرار العدوى يؤدي إلى تندب الجفون ثم انقلاب الرموش إلى الداخل (الشعرة التراخومية)، ما يسبب احتكاك الرموش بالعين وقد يؤدي في النهاية إلى العمى.
ورغم جهود المكافحة على مستوى العالم، لا يزال المرض متوطنًا في مناطق تعاني من نقص المياه النظيفة والمرافق الصحية الأساسية.
بهذا الإنجاز، تصبح التراكوما ثاني مرض من الأمراض المدارية المهملة الذي تنجح مصر في القضاء عليه، بعد التخلص من داء الفيلاريات اللمفاوي عام 2018. وبذلك يرتفع عدد الدول التي تمكنت من القضاء على مرض واحد على الأقل من أمراض المناطق المدارية المهملة إلى 58 دولة.
0 تعليق