السوشيال ميديا ثورة إيجابية جديدة ترد حق الغلابة.. خبراء يكشفون كيف تنصف الشاشة مَن لا نصير لهم

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في زمن أصبحت فيه الكلمة أقوى من الرصاصة، تحولت السوشيال ميديا من مجرد وسيلة ترفيه إلى منصة حقيقية لرد الحق للمظلومين، مقطع فيديو بسيط لرجل عجوز تعرَّض للصفع من صاحب البيت، أشعل مواقع التواصل وأجبر السلطات على التدخل فورًا، في ساعات قليلة، صار المظلوم بطلًا شعبيًا، والظالم درسًا قاسيًا لكل من يستهين بكرامة الناس.

مشهد آخر لا يقل إنسانية، لزوجين بسيطين زارا المتحف الكبير بالجلاليب الريفية، بدلاً من السخرية، استقبلهم رواد السوشيال ميديا بالحب والإعجاب، واعتبرهم رمزًا للفخر والانتماء، كأن المصريين جميعًا قرروا أن يحتفوا بعفويتهم، معلنين أن البساطة ليست عيبًا بل عنوان الكرامة.

وأكد خبراء أن مواقع التواصل أصبحت “عدالة رقمية”، تصنع من الهاتف المحمول وسيلة دفاع عن المظلومين، فكل فيديو صار وثيقة، وكل ترند أصبح محركًا للمجتمع، حتى القانون نفسه بدأ يعتمد على المقاطع المنتشرة كأدلة موثوقة إذا كانت صحيحة المصدر.

لكن تبقى المعادلة الدقيقة وهي الوعي أولًا، فالقوة التي تُنصف الغلابة قد تتحول إلى أداة ظلم إذا استخدمت بغير ضمير، ورغم ذلك، يظل الأكيد أن مصر تعيش لحظة جديدة من المشاركة والرقابة الشعبية، لم يعد الصمت حلًا، بل أصبح “النشر” سلاح المقهورين، فبضغطة واحدة، قد تُنقذ حياة، أو تُعيد كرامة إنسان.

 

صوت البسطاء يصعد من خلف الشاشات

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتُغلق فيه أبواب الشكاوى الرسمية أحيانًا أمام المواطن البسيط، أصبحت السوشيال ميديا أشبه بميكروفون مفتوح يُسمع من خلاله صوت “الغلابة”، فبعد أن كانت مواقع التواصل مجرد وسيلة للترفيه وتبادل الصور والأخبار، تحولت اليوم إلى محكمة شعبية قادرة على تحريك الرأي العام وإجبار الجهات الرسمية على التدخل، لم تعد الكاميرات في يد الصحفيين فقط، بل بات الهاتف المحمول أداة كشف وإنصاف.

قصة الرجل العجوز الذي تعرَّض للصفع من صاحب المنزل لم تكن لتُعرف لولا مقطع فيديو قصير التقطه أحد الجيران وانتشر كالنار في الهشيم على “فيسبوك”، خلال ساعات، تحركت أجهزة الأمن، وأصبح الرجل الذي لا يملك سوى صوته وكرامته حديث الناس والمسؤولين، مثل هذه القصص تُظهر الوجه الإنساني للسوشيال ميديا، حين تتجاوز الشائعات وتتحول إلى منصة لحماية المظلومين وإعادة التوازن في مجتمع يُرهقه الفقر والتجاهل.

الشبكات الاجتماعية غيرت مفهوم العدالة

وتعليقًا على ذلك قال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور محمود عزت لـ"البوابة نيوز"، إن السوشيال ميديا لم تعد مجرد وسيلة ترفيه، بل أصبحت قوة رقابية لا يمكن إنكارها، وأضاف: في الماضي، كان المظلوم يحتاج إلى صحيفة أو قناة تلفزيونية لتوصيل صوته، أما اليوم فمجرد منشور واحد قد يُحدث ضجة تُجبر المسؤولين على التحرك فورًا، مشيرًا إلى أن شبكات التواصل أوجدت نوعًا جديدًا من “العدالة الاجتماعية الرقمية”، إذ تسمح للناس بتوثيق الانتهاكات والمطالبة بالحقوق في العلن، ومع ذلك، يحذر من أن هذه القوة قد تنقلب إلى سلاح إذا استُخدمت في التشهير أو نشر الأكاذيب، ويؤكد أن الوعي المجتمعي هو خط الدفاع الأول أمام أي إساءة استخدام.

ويرى أن قصة الرجل العجوز ليست حالة فردية، بل جزء من ظاهرة أكبر تجعل من “الترند” وسيلة ضغط اجتماعي وسياسي واقتصادي في آن واحد، فحين يتفاعل الملايين مع قضية إنسانية، تصبح السوشيال ميديا شريكًا حقيقيًا في تحقيق العدالة.

 “الترند” وسيلة لتمكين المهمشين

فيما قالت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس الدكتورة ريهام عبد الفتاح لـ"البوابة نيوز"، إن انتشار قصص البسطاء على “فيسبوك” و”تيك توك” يعكس رغبة المجتمع في دعم الضعفاء وإحياء قيم التعاطف، في عالم يعاني من ضغوط اقتصادية، يجد الناس في التفاعل الرقمي متنفسا للتعبير عن الغضب والرحمة معا.

وأضافت، أن زيارة الرجل والمرأة البسيطين للمتحف المصري الكبير بملابسهم الريفية كانت مثالًا واضحًا على هذا التحول في الوعي الجمعي، إذ لم يسخر منهما الجمهور كما كان يحدث قديمًا، بل احتفى الجميع بعفويتهما وانتشرت التعليقات التي تمجّد بساطة المصريين وتربطها بعظمة حضارتهم.

وترى الخبيرة أن السوشيال ميديا باتت جسرًا بين الطبقات، تظهر أن الفقر ليس عيبا، وأن احترام البساطة والإنسانية هو ما يجعل المجتمع متماسكًا، كما أنها أداة ضغط ناعمة تُرغم بعض أصحاب السلطة على مراجعة أنفسهم، خشية أن يتحولوا إلى عنوان للغضب العام.

الفيديوهات أصبحت أدلة قانونية

وفى سياق متصل قال أستاذ القانون الجنائي بجامعة الإسكندرية الدكتور إيهاب فوزي لـ"البوابة نيوز" إن مقاطع الفيديو المنتشرة على “السوشيال ميديا” باتت تلعب دورا حاسما في إثبات الحقائق القانونية، مضيفًا إن النيابة العامة في مصر بدأت منذ سنوات الاعتماد على المواد المصورة المنتشرة على الإنترنت كأدلة استرشادية، شريطة التأكد من صحتها ومصدرها.”

وأشار إلى أن حالة الاعتداء على الرجل العجوز مثال واضح على هذا التطور، حيث استُخدم الفيديو الموثّق لفتح تحقيق رسمي ومحاسبة المعتدي. فالقانون، كما يقول، لم يعد يعتمد فقط على البلاغ الورقي، بل على الأدلة الرقمية التي تلتقطها عدسات المواطنين.

ويرى فوزي أن السوشيال ميديا ساعدت في خلق نوع من الرقابة المجتمعية، إذ يدرك الجميع أن أي تجاوز قد يُوثّق وينتشر خلال دقائق. وهذا الوعي جعل البعض أكثر حرصًا في تعاملهم مع الفقراء أو العمال أو كبار السن إنها ثورة قانونية هادئة صنعتها ضغطة زر.

حين تُنصف الشاشة من لا نصير له

ما بين العجوز الذي استُعيد حقه بفضل فيديو قصير، والزوجين البسطاء اللذين تحوّلا إلى رمز للعفوية على أبواب المتحف الكبير، تتضح حقيقة أن السوشيال ميديا لم تعد مجرد عالم افتراضي، إنها اليوم ساحة حقيقية للعدالة الاجتماعية والرقابة الشعبية.

لقد أعادت هذه المنصات تعريف العلاقة بين المواطن والمسؤول، وكسرت احتكار الصورة والرواية،  لكن في الوقت نفسه، تحتاج هذه القوة الرقمية إلى وعي أخلاقي يحميها من التلاعب، فكما تُنصف المظلوم، قد تُدين بريئًا إذا استُخدمت بغير وعى وضوابط ويبقى الدرس الأهم أن مصر بمواطنيها ومؤسساتها تدخل عصرًا جديدًا من المشاركة والمساءلة، حيث لم يعد “السكوت” هو الحل، بل أصبح النشر وسيلة للمطالبة بالحق فبين كل ضغطة إعجاب وتعليق غاضب، يعلو صوت جديد يردد على مسامع الناظرين أن السوشيال ميديا بيجيب حق الغلابة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق