تعيش الساحة السياسية الأمريكية والإقليمية سلسلة من التقلبات والمنعطفات الحادة في سبيل متابعة تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط، المكوّنة من عشرين نقطة، والتي تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني في المنطقة.
وقد أُقيمت قمة السلام في شرم الشيخ خصيصًا للإعلان عن هذه الخطة، ومع اقتراب ما تصفه واشنطن بانتهاء المرحلة الأولى، بدأت ملامح المرحلة الثانية تتبلور، لتضع غزة مجددًا في قلب الاهتمام، عبر مشروع دولي مثير للجدل لمناقشة نشر قوة أمنية متعددة الجنسيات في القطاع، مع التركيز على نزع سلاح حماس كأحد أبرز عناصر المرحلة الثانية من الخطة.
صرّح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن الولايات المتحدة تشعر بالتفاؤل بشأن إمكانية اعتماد قرار من مجلس الأمن الدولي لدعم نشر قوة أمنية دولية في غزة، مشيرًا إلى أن مشروع القرار يُحرز «تقدمًا جيدًا في صياغة النص» وأن القوة المقترحة لن تكون قتالية بالمعنى التقليدي، بل قوة استقرار تهدف إلى الإشراف على الترتيبات الأمنية ونزع سلاح الجماعات المسلحة، بما في ذلك الفصائل المسلحة في غزة، وهو ما تعتبره واشنطن حجر الأساس لمرحلة ما بعد الحرب.
وقد وزعت الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي مسودة مشروع قرار تدعو إلى نشر قوة متعددة الجنسيات في القطاع الفلسطيني، في إطار خطة ترامب الشاملة للسلام في الشرق الأوسط. وتعد القوة متعددة الجنسيات جزءًا من خطة ترامب لفرض استقرار مؤقت في غزة، ومن المتوقع أن تشمل قواتًا من دول عربية وإقليمية، بما في ذلك مصر وقطر وتركيا والإمارات، لكن المشاركة النهائية لم تُحسم بعد. وتوضح تصريحات روبيو أن الخطوة لا تزال في طور النقاش داخل مجلس الأمن، مع متابعة دقيقة لموافقة الأطراف المختلفة على تفاصيل المشروع.
وتسعى الولايات المتحدة من خلال هذه الخطوة إلى إعادة تثبيت نفوذها في المنطقة بعد تراجع الدور الأمريكي في السنوات الماضية، خصوصًا في ظل توسع الحضورين الروسي والصيني في ملفات الشرق الأوسط. كما تراهن واشنطن على أن نشر قوة دولية في غزة سيمنحها ورقة ضغط مزدوجة،الأولى على إسرائيل لضبط سلوكها الميداني، والثانية على الفصائل الفلسطينية للقبول بترتيبات أمنية جديدة تضمن استمرار الهدوء.
أعرب روبيو عن قلقه من تصاعد أعمال العنف التي ينفذها مستوطنون إسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة، محذرًا من أن ذلك قد يقوّض الجهود الرامية إلى تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، وقال: «أحداث الضفة الغربية يمكن أن تعرض وقف إطلاق النار للخطر… سنبذل كل ما في وسعنا لضمان عدم حدوث ذلك». ومع ذلك، يعكس هذا التصريح محدودية النفوذ الأمريكي في كبح التوسع الإسرائيلي، إذ لم يجرؤ الوزير على مطالبة تل أبيب صراحة بوقف ممارساتها، في تكرار للنمط التقليدي من الازدواجية السياسية الأمريكية في التعامل مع إسرائيل.
ويبرز تناقض واضح في الموقف الأمريكي؛ فبينما تؤكد واشنطن على ضرورة تهدئة الأوضاع في غزة، تتجنب توجيه انتقادات صريحة لإسرائيل، التي تواصل سياساتها الاستيطانية وضم الأراضي تدريجيًا، إضافة إلى الخروقات منذ بدء وقف إطلاق النار، ما يضعف مصداقية الجهود الأمريكية في نظر كثير من الأطراف الدولية.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن واشنطن تضغط على مجلس الأمن الدولي لاعتماد خطة ترامب للسلام في غزة، معتبرة أن القرار جزء من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل الوضع الإقليمي وضمان أمن إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، كشفت منصة أكسيوس عن محادثات أولية بشأن مذكرة تفاهم أمنية جديدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تأجلت بسبب الحرب في غزة، ما يعكس استمرار التنسيق الأمني الوثيق بين الطرفين رغم التوترات السياسية.
تبدو خطة ترامب، بصيغتها الجديدة، محاولة لإعادة إحياء بعض عناصر “صفقة القرن” ضمن مقاربة معدّلة تراعي الواقع الأمني والسياسي الذي أفرزته الحرب في غزة. غير أن نجاح هذه الخطة يبقى مرهونًا بعدة عوامل أساسية، من بينها مدى قبول الفصائل الفلسطينية والمجتمع الدولي بفكرة نشر قوة دولية، وقدرة واشنطن على إلزام إسرائيل بحدود الخطة ومنعها من تجاوزها، إضافة إلى الحفاظ على التوازن الدقيق بين متطلبات الأمن ومبدأ السيادة داخل قطاع غزة.
ويبدو أن المرحلة الثانية من خطة ترامب تسير في طريق محفوف بالتحديات السياسية والدبلوماسية، في ظل بيئة إقليمية مضطربة وصراع محتدم بين القوى الدولية على إعادة رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط، مما يجعل نجاح الخطة رهين توافق الأطراف المعنية ومرونة الولايات المتحدة في تنفيذها.








0 تعليق