منى رشماوى عضو لجنة الأمم المتحدة بشأن السودان: أهل الفاشر يأكلون «علف الحيوانات».. والمجاعة تقتل الأطفال

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قالت عضو لجنة الأمم المتحدة لتقصى الحقائق فى السودان، منى رشماوى، إن المواطنين فى مدينة الفاشر أصبحوا يأكلون «مسحوق الأمباز»، الذى يُستخدم علفًا للحيوانات، بسبب انعدام الغذاء الصالح للأكل، مطالبة بإنشاء هيئة قضائية مستقلة لمحاسبة مجرمى الحرب، بجانب المحكمة الجنائية الدولية.

وأضافت «رشماوى»، فى حوارها مع «الدستور»، أن جرائم الحرب التى ترتكبها ميليشيا الدعم السريع تتضمن الإعدامات الميدانية والاغتصاب الجماعى والاستعباد الجنسى والنهب وحرق المحاصيل، مشددة على أن السبيل لوقف العنف فى السودان هو تحقيق العدالة وتوفير الإغاثة العاجلة وإطلاق حوار سياسى.

ولفتت إلى أن عدد النازحين داخليًا وصل إلى ١٠ ملايين شخص، ما تسبب فى ضغط كبير على المجتمعات المضيفة، مشيرة إلى أن المجاعة تسببت فى وفاة الكثير من الأطفال، خاصة الرضّع، فضلًا عن انتشار الأمراض.

■ بداية.. ما مستجدات الوضع الإنسانى فى مدينة الفاشر؟

- الوضع الإنسانى فى مدينة الفاشر صعب للغاية؛ فقد حاصرت ميليشيا الدعم السريع والمجموعات التابعة لها المدينة لأكثر من عام ونصف العام، ما أدى إلى انقطاع شبه كامل للإمدادات الغذائية والطبية، وتوقف خدمات المياه والكهرباء.

وبعد سيطرة ميليشيا الدعم السريع على المدينة اضطر عشرات الآلاف من المدنيين إلى النزوح نحو المناطق المجاورة، حيث الظروف أيضًا قاسية. 

الوضع الغذائى بلغ مستوى المجاعة، مع ارتفاع حاد فى الأسعار ونقص شديد فى المواد الأساسية، ما تسبب فى وفاة العديد من الأطفال، خاصة الرضّع، بسبب الجوع أو أمراض مرتبطة بسوء التغذية. 

أما عن المساعدات الإنسانية، فما زال وصولها محدودًا جدًا بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، وكثرة الانتهاكات، ونقص الوقود والموارد، ما يعوق المنظمات الإنسانية عن أداء عملها.

■ إلى أى مدى زادت سيطرة ميليشيا الدعم السريع على الفاشر من وطأة العنف ضد المدنيين؟ وما أبرز الجرائم الموثّقة؟

- سيطرة ميليشيا الدعم السريع على الفاشر جاءت بعد ثمانية عشر شهرًا من الحصار والتجويع والقصف العشوائى، وأدت إلى تصاعد خطير فى العنف ضد المدنيين. 

تحقيقات البعثة وشهادات الناجين، إلى جانب المقاطع الموثّقة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعى، تُظهر بوضوح أن السيطرة على المدينة ترافقت مع نمط متعمَّد من الهجمات على أساس عرقى. 

شملت هذه الانتهاكات الإعدامات الميدانية، والاغتصاب والعنف الجنسى الممنهج، والنهب الواسع، وتدمير المرافق الحيوية، واستخدام التجويع كوسيلة حرب. 

كما وثّقت البعثة استهداف المستشفيات ومرافق المياه والأسواق ومخيمات النازحين، ما دفع عشرات الآلاف إلى الفرار سيرًا على الأقدام من دون مأوى أو مؤن. 

وبالنظر إلى طبيعة هذه الانتهاكات واتساع نطاقها، ترى البعثة أنها قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

■ لماذا طالبت البعثة بإنشاء هيئة قضائية مستقلة ومحايدة؟

- لأن الإفلات من العقاب ما زال سائدًا فى السودان، وهو ما يشجع على تكرار الجرائم. ما يحدث فى دارفور مرتبط ارتباطًا وثيقًا بما يجرى فى ولايات أخرى مثل الجزيرة وكردفان، والطريقة الوحيدة لوقف دوامة العنف وكسر حلقة النزاعات المتكررة هى تحقيق العدالة لجميع الضحايا وضمان محاسبة المسئولين. 

تحليل البعثة آليات العدالة الوطنية أظهر أنها تعانى من الانتقائية وتفتقر إلى ثقة الضحايا والناجين والمجتمعات المتضررة، كما أن القوانين الوطنية لا توفّر الأساس الكافى لملاحقة مرتكبى الجرائم الدولية، لذلك أصبحت الجهود الدولية ضرورية. 

وقد شكّلت إدانة المحكمة الجنائية الدولية لمجرم الحرب على كوشيب «زعيم قبلى وقيادى فى ميليشيا الجنجويد بإقليم دارفور»، مؤخرًا، عن جرائم ارتُكبت قبل نحو عشرين عامًا، إشارة مهمة إلى أن العدالة ممكنة؛ إذ ستتيح هذه الإدانة لآلاف الضحايا فرصة الحصول على تعويضات.

ومع ذلك، تملك المحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية حاليًا على دارفور فقط بموجب قرار مجلس الأمن رقم ١٥٩٣ لسنة ٢٠٠٥، ويجب توسيع هذه الولاية لتشمل جميع مناطق السودان. 

كما أن المحكمة تركز عادة على من يتحملون المسئولية الأكبر عن الجرائم، بينما يتطلب حجم الصراع الراهن وعدد الجناة آليات عدالة أوسع وأكثر شمولًا. ولهذا تدعو البعثة إلى إنشاء هيئة قضائية مستقلة خاصة بالسودان تعمل إلى جانب المحكمة الجنائية الدولية لضمان محاسبة جميع الجناة على الجرائم المرتكبة فى البلاد.

■ ما توقعاتك لمستقبل الصراع؟

- الوضع الإنسانى فى شمال دارفور ينذر بكارثة كبرى؛ فمنذ سقوط الفاشر فرّ أكثر من ٣٦ ألف شخص سيرًا على الأقدام نحو بلدة طويلة التى كانت أصلًا تؤوى أكثر من ٦٥٢ ألف نازح، ما جعلها من أكثر المناطق اكتظاظًا فى السودان. ومع ذلك، ما زال مئات الآلاف من المدنيين عالقين فى الفاشر والمناطق المحيطة بها. 

يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف القتال وتأمين الممرات الإنسانية، وإلا فقد نشهد انهيارًا كاملًا للمنظومة الإنسانية فى دارفور، خاصة مع انتشار المجاعة والأوبئة مثل الكوليرا فى ظل استهداف المستشفيات وانهيار شبه كامل للنظام الصحى، وارتفاع عدد الوفيات، خصوصًا بين الأطفال والنساء وكبار السن. 

كما أن غياب المساءلة قد يشجع الأطراف على ارتكاب مزيد من الانتهاكات، وهو ما يستدعى تحركًا جادًا لدعم المساءلة والحماية العاجلة للمدنيين.

■ كيف يمكن إيقاف دوامة العنف فى السودان الآن؟

- وقف العنف فى السودان يتطلّب نهجًا شاملًا يجمع بين تحقيق العدالة الفعلية، وتوفير الإغاثة الإنسانية العاجلة، وإطلاق حوار سياسى ومجتمعى واسع. فالسلام الحقيقى لا يمكن أن يتحقق من دون عدالة، والعدالة لا يمكن أن تقوم فى ظل الإفلات من العقاب. 

وتدعو البعثة جميع الأطراف إلى الالتزام الفورى بالقانون الدولى الإنسانى، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية بلا قيود، وإطلاق سراح جميع المحتجزين تعسفيًا، والتعاون مع الجهات الساعية إلى إنهاء الحرب وتحقيق العدالة لكسر دوامة النزاعات المتكرّرة. 

إن السلام فى السودان يبدأ بوقف استهداف المدنيين، ثم بحوار وطنى شامل يعالج جذور الأزمات المستمرة، المتمثلة فى غياب الحكم الرشيد، وانعدام المساواة فى توزيع موارد البلاد وخيراتها، واستمرار التمييز والتهميش على أسس عرقية أو جغرافية، وغياب المساءلة عن الانتهاكات والجرائم المتكرّرة التى تغذى المزيد من العنف.

■ كيف يؤثر النزوح الواسع على النسيج الاجتماعى؟

- النزوح الجماعى الحالى هو الأكبر فى تاريخ السودان الحديث؛ إذ تجاوز عدد النازحين داخليًا عشرة ملايين شخص. هذا النزوح أثقل كاهل المجتمعات المضيفة التى تعانى أصلًا من قلة الموارد، وأدى إلى زيادة الضغط على الخدمات وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

ومع ذلك، أظهرت المجتمعات السودانية تضامنًا كبيرًا مع النازحين، وهو ما يعكس قوة الروابط الاجتماعية، لكن هذا التضامن لا يمكن أن يستمر دون دعم دولى عاجل للمناطق التى تستضيفهم.

■ ما الوضع فى مخيمات النازحين فى شمال دارفور؟.. وهل لا تزال قادرة على استيعاب المزيد؟

- تعرضت مخيمات النزوح فى شمال دارفور إما للهجمات والإخلاء القسرى كما حدث فى مخيمَىّ زمزم وأبوشوك، أو أصبحت عاجزة عن استقبال مزيد من النازحين، كما هو الحال فى منطقة طويلة، كما ذكرت. 

تشير بيانات المنظمة الدولية للهجرة إلى وصول نحو ٣٦ ألف نازح جديد إلى طويلة منذ الأسبوع الماضى، لينضموا إلى أكثر من ٦٥٢ ألفًا يقيمون هناك أصلًا، ما جعل البلدة تختنق تحت ضغط إنسانى هائل. المخيمات تعانى من نقص شديد فى المياه النظيفة والغذاء والخدمات الصحية، والاكتظاظ الشديد يزيد خطر تفشى الأمراض مثل الكوليرا وسوء التغذية، فيما لا تزال الهجمات المسلحة تهدد حياة النازحين والعاملين الإنسانيين على حد سواء.

■ كيف يحصل النازحون على الغذاء والماء والخدمات الطبية؟

- جرى تدمير منظومات الإنتاج الغذائى فى مناطق شمال دارفور، خاصة الفاشر، بشكل شبه كامل، خلال العام ونصف العام الماضية؛ إذ جرى نهب المحاصيل وحرقها، وتعرضت الثروة الحيوانية للسرقة، وتكررت الهجمات على الأسواق المحلية، ما أدى إلى انهيار سبل العيش وانقطاع الإمدادات الغذائية. 

الآلاف يعيشون اليوم فى أوضاع شديدة القسوة، فيعتمدون على مياه ملوثة من آبار أو برك مؤقتة، بينما انقطعت الإمدادات الطبية عن معظم المراكز الصحية. وتعتمد بعض الأسر على مساعدات محدودة تأتى برًا أو عبر مبادرات محلية، كما تُقدَّم وجبات فى التكايا من منظمات خيرية، لكن بعض الناس اضطروا لتناول نباتات برية أو مسحوق «الأمباز» الذى يُستخدم عادة علفًا للحيوانات، بسبب انعدام الغذاء الصالح للأكل. 

وفى ظل هذا الوضع، تحذر البعثة من أن استمرار الحصار يهدد حياة الآلاف إذا لم تُفتح ممرات إنسانية محمية دوليًا.

■ هل توجد مناطق آمنة نسبيًا فى دارفور يمكن اعتبارها ملاذات مؤقتة أم أن النزوح أصبح الحل الوحيد؟

- لا توجد مناطق يمكن وصفها بالآمنة فى دارفور حاليًا؛ فبعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر فى أواخر أكتوبر توسّع القتال ليشمل مناطق جديدة، ما أدى إلى موجات نزوح واسعة وعمليات قتل جماعى للمدنيين الفارين. 

كما وصلت العمليات العسكرية إلى بلدة بارا فى شمال كردفان، حيث وردت تقارير عن انتهاكات خطيرة ونزوح جديد. النزوح أصبح متكررًا من منطقة إلى أخرى، فيما يعيش عشرات الآلاف من المدنيين فى الصحراء أو فى مناطق نائية بلا طعام أو ماء كافٍ. 

الحل لا يكمن فى إنشاء مناطق آمنة مؤقتة، بل فى وقف شامل وفورى لإطلاق النار وضمان حماية المدنيين وفق القانون الدولى، إلى حين التوصل إلى سلام دائم يقوم على العدالة والمساءلة.

■ ما أهم التحديات التى تواجهها النازحات فى المخيمات من حيث السلامة والخصوصية وظروف المعيشة؟

- تواجه النساء النازحات ظروفًا صعبة للغاية فى ظل النزوح الجماعى الذى تجاوز عشرة ملايين شخص. ففى مناطق مثل طويلة، أدى الضغط على الخدمات والبنية التحتية إلى تفاقم المخاطر، خاصة مع الحصار وارتفاع الأسعار ونقص الغذاء. 

النساء يتحملن أعباءً مضاعفة، تشمل رعاية الأسرة والعمل فى بيئات غير آمنة، إلى جانب آثار نفسية ناتجة عن العنف والانفصال الأسرى. كما يعانين من نقص الرعاية الصحية والدعم النفسى وغياب المساحات الآمنة، فيما يزيد ضعف مرافق المياه والصرف الصحى من هشاشتهن. وتتعرض الفتيات لانقطاع التعليم والزواج المبكر، ما يعوق تعافيهن واندماجهن فى المجتمع.

وفى إطار الهجوم الحالى على الفاشر ومحيطها، فقد وُثِّق عدد كبير من حالات العنف الجنسى ضد نساء وفتيات فى مواقع النزوح، خصوصًا على الطريق المؤدى إلى طويلة من قبل قوات الدعم السريع، أثناء فرارهن من الفاشر بعد سقوطها فى نهاية أكتوبر. 

وتشمل أنماط العنف الموثّقة الاغتصاب والاغتصاب الجماعى والاستعباد الجنسى، خاصة من قبل قوات الدعم السريع، ويبدو أن هذه الجرائم لا تحمل بعدًا عرقيًا فقط، بل ترتبط أحيانًا بالاشتباه بانتماء الضحية إلى الطرف الآخر. 

أما معالجة هذه الانتهاكات، فتواجه عقبات كثيرة، أبرزها غياب العدالة، ونقص الخدمات الطبية والنفسية، والخوف من الوصمة أو الانتقام، خاصة أن الجناة ينتمون إلى جهات مسلحة تتمتع بالإفلات من العقاب. النساء والفتيات، خصوصًا القاصرات وذوات الإعاقة، يعانين من هشاشة شديدة ويواجهن عنفًا ممنهجًا حتى فى أثناء محاولتهن النجاة.

لماذا لا تصل المساعدات إلى الفاشر؟

- على مدى العام ونصف العام الماضية واجهنا صعوبات كثيرة ومتعمدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفاشر، تمثّلت فى منع دخول الموارد وشنّ هجمات على القوافل، بما فى ذلك قافلة برنامج الأغذية العالمى و«يونيسف» فى الكومة فى يونيو ٢٠٢٥، ما منع وصول الغذاء والمساعدات إلى المدينة. 

الوضع الإنسانى فى الفاشر اليوم حرج جدًا؛ فمعظم الطرق المؤدية إليها مدمّرة أو محاصَرة، والقوافل الإنسانية تتعرض للنهب والهجمات. وأكدت منظمة الصحة العالمية أنها لم تعد قادرة على الوصول إلى الجرحى أو تقديم الإسعاف بعد تكرار الهجمات على المستشفيات، خصوصًا مستشفى السعودى للولادة الذى تعرّض للهجوم خمس مرات فى أكتوبر الماضى. 

كما وردت تقارير عن استهداف متطوعين وعمال إغاثة داخل المدينة. القيود الأمنية والبيروقراطية المفروضة من أطراف النزاع، إلى جانب انعدام الأمن، جعلت المساعدات لا تصل إلا جزئيًا، فيما تبقى عشرات الآلاف من العائلات بلا غذاء أو علاج أو مياه نظيفة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق