أثار الداعية السلفي مصطفى العدوي موجة من الغضب العارم في الأوساط الدينية والصوفية والفكرية بعد تصريحاته التي هاجم فيها حضارة الفراعنة ووصفها بأنها "حضارة كفرية ولا يجب الإفتخار بهم" وأن المصريين القدماء كانوا مشركين يجب البراءة منهم، وهو ما اعتبره علماء وشيوخ التصوف ومفكرو الإسلام جهلًا فاضحًا بتاريخ الأمة المصرية وبحقائق الدين نفسه.
وفي بيان مشترك لعدد من مشايخ الطرق الصوفية وعلماء الفكر الإسلامي، جاء الرد حاسمًا، حيث أكدوا أن العدوي يتحدث بلا علم، ويخلط بين العقيدة والتاريخ، ويهاجم رموزًا حضارية دون فهم أو وعي.
الطريقة العزمية: الفراعنة عرفوا التوحيد قبل الأديان الإبراهيمية
وقال الشيخ علاء الدين أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية وعضو المجلس الأعلى للصوفية في مصر، إن ما صدر من العدوي كلام متطرف ومليء بالكراهية والجهل، مؤكدًا أن الفراعنة لم يكونوا كفارًا كما يزعم، بل كانوا أصحاب حضارة قائمة على الإيمان بالقوة الإلهية الواحدة، وإن اختلفت تسمياتهم ورموزهم التعبيرية.
وأضاف: "الفراعنة عرفوا فكرة التوحيد قبل الأديان الإبراهيمية، وكان إخناتون أول من دعا إلى عبادة الإله الواحد (آتون)، فكيف يُقال عنهم إنهم عبدوا الأصنام؟ هذا جهل بالتاريخ وبحقائق الأديان."
عالم بالأوقاف: فكر تكفيري يطمس هوية مصر
وأكد الدكتور أيمن أبو الخير من علماء الأوقاف أن تصريحات العدوي تُعد خروجًا على المنهج الوسطي للإسلام، ومحاولة لفرض فكر تكفيري على المجتمع المصري الذي عُرف بتدينه الفطري وحبه لله ولرسوله.
وأضاف: "الخطاب السلفي المتشدد يسعى دائمًا إلى طمس هوية مصر الدينية والحضارية، في حين أن الإسلام لم يأتِ ليهدم التاريخ، بل ليكمله ويهذبه."
الطريقة الشبراوية: العدوي يفتقد مقومات الفقه
من جانبه، وصف الشيخ محمد عبد الخالق الشبراوي شيخ الطريقة الشبراوية وعضو المجلس الأعلى للصوفية العدوي بأنه يفتقد أدنى مقومات الفقه، موضحًا أن الإسلام يرفض تمامًا إدانة الأمم السابقة أو ازدراء رموزها، مشيرًا إلى أن القرآن نفسه تحدّث عن الفراعنة في سياقات متعددة دون أن يُعمم عليهم الكفر، بل خصّ بالذكر فرعون الطاغية، لا الشعب المصري كله.
وأضاف شيخ الشبراوية: "دعاة السلفيين يكرهون كل ما له صلة بمجد مصر، لأنهم لا يرون في الدين سوى وسيلة لزرع الكراهية والفرقة بين الناس، أما نحن أهل التصوف فنرى أن الدين محبة ورحمة، لا لعنة وكراهية."
وأوضح: "من يهاجم حضارة الفراعنة يجهل أن الإسلام امتداد لرسالات التوحيد التي نادى بها الأنبياء منذ فجر التاريخ، وأن مصر كانت وما زالت بلد الإيمان، أرض الأنبياء والأولياء والعلماء."
الطريقة الجازولية: الفراعنة باحثون عن الحقيقة لا كفار
في سياق آخر، قال الشيخ سالم الجازولي شيخ الطريقة الجازولية وعضو المجلس الأعلى للصوفية، إن الفراعنة لم يكونوا كفّارًا بالمعنى الذي يروّجه الجهّال، بل كانوا باحثين عن الحقيقة في زمنٍ لم تكن فيه الرسالات قد اكتملت، ومن واجبنا أن نحترم حضارتهم ونفخر بتراثهم، لا أن نسبّه ونُكفّره."
ودعا "شيخ الطريقة الجازولية" إلى ضرورة محاسبة العدوي ومنع مثل هذه التصريحات التي تسيء إلى الهوية المصرية وتحرّض على ازدراء الحضارات، مؤكدًا أن التصوف سيظل حامل راية الوسطية والرحمة في مواجهة التطرف والانغلاق الفكري.
عالم أزهري: الفكر السلفي يشوّه التاريخ المصري
في سياق متصل، علق الشيخ أحمد ماهر الطرهوني، أحد علماء الأزهر الشريف، على التصريحات المثيرة للجدل التي أطلقها الداعية السلفي مصطفى العدوي، والتي وصف فيها الفراعنة بأنهم "كفار"، وقال إن المصريين اليوم "يتشبهون بقومٍ كانوا كفّارًا"، معتبرًا أن هذه الأقوال “انحراف خطير عن المنهج الأزهري الوسطي، وجهلٌ بتاريخ مصر ودينها”.
وقال الشيخ الطرهوني في تصريحات صحفية: "ما قاله العدوي لا يمتّ إلى العلم ولا إلى الفهم الصحيح للإسلام بصلة، فالإسلام لم يأتِ لهدم الحضارات أو سبّ الأمم السابقة، وإنما جاء ليهديها ويُكمّل مكارم الأخلاق. والفراعنة أمة عظيمة، أقامت حضارة خالدة بفضل ما منحها الله من علمٍ وعقلٍ وإيمانٍ بالفطرة، ولا يصحّ أن يُوصموا بالكفر بهذه السطحية."
وأوضح الطرهوني أن القرآن الكريم لم يُكفّر الشعب المصري القديم، بل تحدّث عن “فرعون” بوصفه الحاكم الطاغي، ولم يمدّ الوصف إلى قومه جميعًا، مستدلًا بقول الله تعالى: "فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ."
وقال: “هذه الآية تثبت أن في قوم فرعون مؤمنين، فكيف يُعمَّم عليهم الكفر؟"
وأضاف "الطرهوني" قائلاً: "أن الفكر السلفي المتشدد يحاول دائمًا تشويه التاريخ المصري العظيم، وطمس هويته المتجذّرة في الإيمان، مشيرًا إلى أن المصريين عبر العصور كانوا أهل توحيدٍ فطري، حتى قبل بعثة الأنبياء، بدليل ظهور دعوات مثل إخناتون الذي نادى بعبادة الإله الواحد “آتون”، وهي فكرة سبقت الأديان الإبراهيمية."
وتابع: "من يتطاول على حضارة الفراعنة يجهل أن الإسلام نفسه امتداد لسلسلة طويلة من رسالات التوحيد، وأن مصر كانت ولا تزال بلد الإيمان، تحتضن الأزهر الشريف الذي نشر نور الإسلام في العالم كله، بينما الذين يثيرون الفتن اليوم لا يحملون من الدين سوى الشعارات."
وأكد “الطرهوني” أن الأزهر الشريف يرفض تمامًا لغة التكفير والتعميم، وأن من يتحدث بهذه الطريقة يسيء إلى الإسلام أكثر مما يدافع عنه، داعيًا إلى محاسبة من يطلق مثل هذه التصريحات التي “تغذي الكراهية وتسيء إلى هوية مصر التاريخية."










0 تعليق