في وقتٍ يسوده الترقب الحذر داخل الشرق الأوسط، تتزايد المؤشرات على احتمالية لجوء إسرائيل إلى عملية عسكرية استباقية تستهدف البنية التحتية العسكرية لحزب الله داخل لبنان.
ورغم غياب أي إعلان رسمي بالحرب، فإن التحركات الميدانية والتسريبات الاستخباراتية تؤكد وجود نقاش واسع داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول «الضرورة الاستراتيجية» لعمل وقائي يسبق اكتمال تعافي الحزب عسكريًا.
دوافع أمنية مباشرة — “التهديد الصامت”
تُشير تقارير استخباراتية إسرائيلية إلى أن حزب الله بدأ إعادة بناء ترسانته الصاروخية الدقيقة، وتطوير شبكات أنفاق تمتد لكيلومترات على الحدود الشمالية.
وتؤكد دوائر عسكرية أن الحزب ينقل أسلحة متطورة عبر سوريا، تشمل صواريخ قادرة على ضرب أهداف استراتيجية داخل العمق الإسرائيلي، إلى جانب استخدام مناطق البقاع كمراكز تخزين وتدريب.
وفي ذات السياق، ترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن استمرار هذا النشاط دون ردّ سيمنح الحزب فرصة لفرض “توازن رعب” جديد، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا وجوديًا يجب وقفه في مهده
ثانياً: الخيارات التكتيكية المطروحة — بين الجو والبرّ
رصدت مراكز بحث غربية وإسرائيلية عددًا من الخيارات التكتيكية المطروحة على طاولة صانعي القرار في تل أبيب، من بينها:
حملة جوية دقيقة متعددة المراحل:
الاعتماد على ضربات جوية مركزة تستهدف مراكز القيادة ومخازن الأسلحة الدقيقة داخل الضاحية الجنوبية والبقاع، عبر مزيج من الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة لتقليل الأضرار الجانبية وتعطيل منظومة الردّ.
عمليات خاصة خلف الخطوط:
فرق نخبة من الوحدات الخاصة (مثل سييرت متكال) قد تُكلَّف بتنفيذ ضربات لوجستية دقيقة ضد خطوط الإمداد والاتصالات الميدانية للحزب، دون الحاجة إلى مواجهة مفتوحة.
تدخل برّي محدود لإنشاء منطقة عازلة:
تُدرس فكرة التوغل لمسافة 5 إلى 10 كيلومترات داخل لبنان لتدمير البنى التحتية القريبة من الحدود وتأمين عودة المستوطنين شمالًا.
لكن هذا السيناريو يحمل مخاطر تصعيدية عالية قد تؤدي إلى مواجهة شاملة.
حرب إلكترونية ومعلوماتية:
تتضمن شنّ هجمات سيبرانية لتعطيل شبكات الاتصالات والقيادة التابعة لحزب الله قبل بدء الضربات، بما يربك قدرته على التنسيق والرد.
“النافذة الزمنية” — لماذا الآن؟
ترى إسرائيل أن حزب الله في أضعف حالاته التنظيمية منذ سنوات بعد فقدان قيادات بارزة مثل حسن نصر الله وفؤاد شكر.
وجدير بالذكر أن سلسلة الضربات الإسرائيلية في الشهور الماضية أضعفت البنية اللوجستية للحزب وأبطأت إمداداته من إيران عبر الأراضي السورية.
وفي هذا الإطار، تؤكد تقارير عسكرية أن أي تأخير في التحرك قد يمنح الحزب فرصة لإعادة بناء قدراته الصاروخية الدقيقة خلال عامين فقط، ما يجعل اللحظة الراهنة مثالية لشن عملية استباقية محدودة.
السياق السياسي والدبلوماسي
على الصعيد الداخلي، تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا شعبية من المستوطنين النازحين في الشمال الذين يطالبون بضمان أمنهم قبل العودة لمنازلهم.
وفي ذات السياق، تسعى تل أبيب إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية عبر إظهار الحزم العسكري، خاصة في ظل انتقادات المعارضة حول إدارة الحرب في غزة.
دوليًا، تسعى إسرائيل إلى استغلال ما تصفه بـ“فشل الحكومة اللبنانية” في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي يمنع السلاح جنوب الليطاني، لتبرير أي عملية عسكرية مقبلة تحت غطاء “الدفاع المشروع عن النفس”.
ردّ حزب الله المحتمل
وفق تقديرات استخباراتية غربية، فإن حزب الله قد يردّ على أي ضربة واسعة بإطلاق رشقات صاروخية مكثفة نحو مدن الشمال الإسرائيلي، أو فتح جبهات ثانوية على طول الحدود.
لكن مصادر دبلوماسية أوروبية تشير إلى أن الحزب يمرّ بمرحلة تراجع مالي وتنظيمي، وأنه قد يختار ردًّا محسوبًا لتجنّب حرب شاملة تجرّ لبنان إلى دمار اقتصادي أكبر.
سادساً: معادلة الردع الجديدة
تسعى إسرائيل إلى بناء “ردع استباقي” يضمن حرية العمل العسكري مستقبلاً دون تصعيد شامل، وتطمح لإرسال رسالة مزدوجة إلى إيران وحلفائها بأن أي محاولة لإعادة تسليح حزب الله ستُواجَه بردّ فوري.
وفي ذات الإطار، يرى محللون أن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر سياسية إذا فشلت في تحقيق أهدافها بسرعة، إذ قد تُفسَّر على أنها مغامرة عسكرية غير محسوبة النتائج.
ما بين الضربة والحرب
يبقى السؤال الأهم: هل تتجه إسرائيل فعلاً نحو “عملية استباقية” شاملة أم أن الأمر لا يعدو كونه تصعيدًا مدروسًا للضغط السياسي والإعلامي؟
المعطيات الراهنة — وفقاً لتقارير رويترز، تايمز أوف إسرائيل، ومراكز IISS وEcho Intelligence — تشير إلى أن القرار النهائي لم يُحسَم بعد، لكن كل المؤشرات تدل على تحضير تكتيكي شامل لسيناريو الضربة في أي لحظة.
وجدير بالذكر أن نجاح هذه العملية أو فشلها لن يحدد فقط مستقبل الحدود الشمالية لإسرائيل، بل قد يرسم ملامح جديدة لتوازن القوى في المنطقة بأسرها.




